فصل: الجزء الثاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ***


الجزء الثاني

كِتَابُ الْبُيُوعِ

إنَّمَا عَقَّبَ الْبَيْعَ بِالْعِبَادَاتِ وَأَخَّرَ النِّكَاحَ لِأَنَّ احْتِيَاجَ النَّاسِ إلَى الْبَيْعِ أَعَمُّ مِنْ احْتِيَاجِهِمْ إلَى النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْبَقَاءُ بِالْبَيْعِ أَقْوَى مِنْ الْبَقَاءِ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّ بِهِ تَقُومُ الْمَعِيشَةُ الَّتِي هِيَ قِوَامُ الْأَجْسَامِ وَبَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ قَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَى الْبَيْعِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ عِبَادَةٌ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِنَفْلِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ إلَى التَّوْحِيدِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ الْمُوَحِّدِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ مُصِيبٌ فِي مَقْصِدِهِ وَالْبَيْعُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ مَالٍ بِمَالٍ آخَرَ وَكَذَا فِي الشَّرْعِ لَكِنْ زِيدَ فِيهِ قَيْدُ التَّرَاضِي لِمَا فِي التَّغَالُبِ مِنْ الْفَسَادِ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَيُقَالُ هُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي مَالَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَهَذَا قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ كَالشَّيْخِ وَأَصْحَابِهِ وَقِيلَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ لَا عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ وَهُوَ قَوْلُ الْخُرَاسَانِيِّينَ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَأَصْحَابِهِ وَفَائِدَتُهُ انْعِقَادُهُ بِالتَّعَاطِي فِي النَّفِيسِ فَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ يَنْعَقِدُ وَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ لَا يَنْعَقِدُ وَأَمَّا فِي الْخَسِيسِ فَيَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي إجْمَاعًا مِثْلَ شِرَاءِ الْبَقْلِ وَالْخُبْزِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلتَّرَاضِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ‏)‏ الِانْعِقَادُ عِبَارَةٌ عَنْ انْضِمَامِ كَلَامِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَالْبَيْعُ عِبَارَةٌ عَنْ أَثَرٍ شَرْعِيٍّ يَظْهَرُ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَتَّى يَكُونَ الْعَاقِدُ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ يَنْعَقِدُ وَلَمْ يَقُلْ الْبَيْعُ هَذَانِ اللَّفْظَانِ وَالْإِيجَابُ هُوَ الْإِثْبَاتُ لِأَنَّهُ مَا كَانَ ثَابِتًا لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ ثَبَتَتْ الْآنَ بِقَوْلِهِ بِعْت وَالْقَبُولُ هُوَ اللَّفْظُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ جَوَابٌ لِلْأَوَّلِ فَالْإِيجَابُ مِثْلَ قَوْلِهِ بِعْت أَوْ أَعْطَيْت أَوْ هَذَا لَك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْقَبُولُ مِثْلَ اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت أَوْ أَخَذْت أَوْ أَجَزْت أَوْ رَضِيت أَوْ قَبَضْت وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَادِي الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ كَمَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِمِائَةٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ هُوَ لَك فَإِنَّهُ يَتِمُّ الْبَيْعُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي ‏(‏قَوْلُهُ إذَا كَانَا بِلَفْظِ الْمَاضِي‏)‏ أَمَّا إذَا كَانَا بِلَفْظِ الْأَمْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ كَمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ اشْتَرِ مِنِّي فَقَالَ اشْتَرَيْت فَلَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي بِعْ مِنِّي فَيَقُولُ بِعْت فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولَ ثَانِيًا اشْتَرَيْت وَأَمَّا النِّكَاحُ فَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مَاض وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ‏)‏ وَهَذَا يُسَمَّى خِيَارُ الْقَبُولِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ فَإِنْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ عَلَى دَابَّةٍ فِي مَحْمَلٍ أَوْ عَلَى دَابَّتَيْنِ إنْ أَخْرَجَ الْمُخَاطَبُ جَوَابَهُ مُتَّصِلًا بِخِطَابِ صَاحِبِهِ تَمَّ الْعَقْدُ وَإِنْ فَصَلَهُ عَنْهُ لَا يَنْعَقِدُ وَإِنْ قَلَّ وَالسَّيْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالسَّيْرِ مِنْهُمَا وَإِنْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا وَهُمَا وَاقِفَانِ فَسَارَا أَوْ سَارَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ خِطَابِ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ وَلَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ تَبَايَعَا فِي السَّفِينَةِ وَهِيَ تَسِيرُ فَوُجِدَتْ سَكْتَةٌ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الِانْعِقَادَ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ إيقَافَهَا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فَإِنَّهُمَا يَمْلِكَانِ إيقَافَهَا وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَقَالَ هُوَ حُرٌّ فَهُوَ قَبُولٌ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ وَأَمَّا إذَا قَالَ وَهُوَ حُرٌّ بِالْوَاوِ أَوْ هُوَ حُرٌّ بِغَيْرِ الْوَاوِ لَمْ يَكُنْ قَبُولًا وَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ عَلَى الْإِبْهَامِ وَالتَّوْقِيتُ يُبْطِلُهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا عَقْدٌ عَلَى التَّوْقِيتِ وَالْإِبْهَامُ يُبْطِلُهَا ثُمَّ لَا بُدَّ فِي الْبَيْعِ مِنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ وَتَعْيِينِ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ بَيْعًا وَإِنْ حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَأَيُّهُمَا قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ‏)‏ لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُمْ وَلَكِنْ تَشَاغَلَ فِي الْمَجْلِسِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْبَيْعِ بَطَلَ الْإِيجَابُ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَقَعَدَ ثُمَّ قَبِلَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ بِالْقُعُودِ لَمْ يَكُنْ مُعْرِضًا ‏(‏قَوْلُهُ فَإِذَا حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ الْبَيْعُ‏)‏ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ وَتَعْيِينِ الْمُثَمَّنِ قَالَ فِي الْعُيُونِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَلَمَّا أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ قَبِلْت قَالَ الْبَائِعُ رَجَعْت وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا فَالْفَسْخُ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ وَإِذَا قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ بِكَذَا فَقَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْت بِخَمْسِمِائَةٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ قَبِلْت فِي بَعْضِهِ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِعَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ فَرَّقَ الْإِيجَابَ فَقَالَ أَبِيعُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِعْتُك هَذَا بِمِائَةٍ وَهَذَا بِمِائَتَيْنِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَبُولِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ هُنَاكَ الْإِيجَابَ فِيهِمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ‏(‏قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ أَوْ عَدَمِ رُؤْيَةٍ‏)‏ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ يَعْنِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ رَضِيَ الْآخَرُ بِالْفَسْخِ أَوْ لَمْ يَرْضَ وَقَوْلُهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ أَوْ عَدَمِ رُؤْيَةٍ وَكَذَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا خَصَّ خِيَارَ الْعَيْبِ وَعَدَمَ الرُّؤْيَةِ مَعَ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ مَانِعٌ لُزُومَ الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا فِي كُلِّ بَيْعٍ يُوجَدَانِ أَمَّا خِيَارُ الشَّرْطِ فَعَارِضٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الشَّرْطِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَالْأَعْوَاضُ الْمُشَارُ إلَيْهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهَا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ‏)‏ لِأَنَّ بِالْإِشَارَةِ كِفَايَةٌ فِي التَّفْرِيقِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ أَمَّا فِي الرِّبَوِيَّةِ إذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ جَهَالَةِ مِقْدَارِهَا وَإِنْ أُشِيرَ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ الرِّبَا كَمَا إذَا بَاعَ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرًا بِشَعِيرٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ تَسَاوِيهِمَا وَقَوْلُهُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ احْتِرَازًا عَنْ السَّلَمِ فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ فِيهِ إذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَكْتَفِي بِالْإِشَارَةِ وَقَوْلُهُ وَالْأَعْوَاضُ سَمَّاهَا أَعْوَاضًا قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تَصِرْ عِوَضًا بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ عِوَضًا بَعْدُ كَمَا قَالَ تَعَالَى ‏{‏وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ‏}‏ وَإِنَّمَا يَصِيرَانِ شَاهِدَيْنِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ ‏(‏قَوْلُهُ وَالْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ‏)‏ صُورَةُ الْمُطْلَقَةِ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت مِنْك بِذَهَبٍ أَوْ بِفِضَّةٍ أَوْ بِحِنْطَةٍ أَوْ بِذُرَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا وَلَا صِفَةً‏.‏

وَفِي الْيَنَابِيعِ صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ بِعْت هَذَا مِنْك بِثَمَنٍ أَوْ بِمَا يُسَاوِي فَيَقُولَ اشْتَرَيْت فَهَذَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَ قَدْرَ الثَّمَنِ وَصِفَتَهُ فَالْقَدْرُ مِثْلُ عَشَرَةٍ أَوْ عِشْرِينَ وَالصِّفَةُ مِثْلُ بُخَارِيٍّ أَوْ سَمَرْقَنْدِيٍّ أَوْ جَيِّدٍ أَوْ وَسَطٍ أَوْ رَدِيءٍ وَقَوْلُهُ مُطْلَقَةً احْتِرَازٌ عَنْ كَوْنِهَا مُشَارًا إلَيْهَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا‏)‏ إنَّمَا قَيَّدَ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ الْأَجَلُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْبَائِعِ فِي تَأْجِيلِهَا لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْعَقْدُ يُوجِبُ تَسْلِيمَهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِهَا وَلَا كَذَلِكَ الثَّمَنُ لِأَنَّ شَرْطَ الْأَجَلِ فِي الدُّيُونِ فِيهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ اتِّسَاعُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ تَحْصِيلِ الثَّمَنِ فِيهَا فَلِذَلِكَ جَازَ فِيهِ وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا أَثَّرَ فِي التَّسْلِيمِ فَيُطَالِبُهُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ وَالْمُشْتَرِي فِي بِعِيدِهَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْأَقَلِّ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فِي الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرِهِ وَاخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّعْوَى‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ كَانَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ‏)‏ مَعْنَاهُ ذَكَرَ قَدْرَ الثَّمَنِ وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَتَهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِي الْبَلَدِ دَرَاهِمُ مُخْتَلِفَةٌ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ وَتَتَعَيَّنُ الدَّرَاهِمُ الَّتِي يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهَا فِي الْبَلَدِ غَالِبًا فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ أَيْ أَطْلَقَهُ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ وَأَمَّا الْقَدْرُ فَقَدْ ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَيْنَ تِلْكَ الْأُولَى فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ فَبَانَ لَك أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ وَالْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ عَنْ ذِكْرِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ جَمِيعًا‏.‏

وَأَنَّ قَوْلَهُ وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ مُطْلَقٌ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ لَا غَيْرُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَقُلْ بُخَارِيَّةً أَوْ غِطْرِيفِيَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ يَخْتَلِفَانِ فِي أَحْكَامٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَيَجُوزُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَمِنْهَا أَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَهَلَاكَ الثَّمَنِ لَا يُوجِبُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقَعُ عَلَى عَيْنِهِ وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا هَلَكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بَقِيَ مَا فِي الذِّمَّةِ بِحَالِهِ ‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَحَدَهَا‏)‏ يَعْنِي مُخْتَلِفَةَ الْمَالِيَّةِ إلَّا أَنَّ التَّعَامُلَ بِهَا سَوَاءٌ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ سَوَاءً فِي الْمَالِيَّةِ جَازَ الْبَيْعُ إذَا أَطْلَقَ اسْمَ الدَّرَاهِمِ وَيُصْرَفُ إلَى مَا قُدِّرَ بِهِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَةَ وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْمَالِيَّةِ كَالذَّهَبِ التُّرْكِيِّ وَالْخَلِيفَتِيِّ فَإِنَّ الْخَلِيفَتِيَّ كَانَ أَفْضَلَ فِي الْمَالِيَّةِ مِنْ التُّرْكِيِّ وَقَوْلُهُ إذَا كَانَتْ سَوَاءً فِي الْمَالِيَّةِ مَعْنَاهُ كَالثُّنَائِيِّ وَالثُّلَاثِيِّ وَالثُّنَائِيُّ مَا كَانَ اثْنَانِ مِنْهُ دَانِقًا وَالثُّلَاثِيُّ مَا كَانَ الثَّلَاثَةُ مِنْهُ دَانِقًا فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجُوزُ الْبَيْعُ إذَا أَطْلَقَ اسْمَ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَةَ وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْمَالِيَّةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا مُكَايَلَةً وَمُجَازَفَةً‏)‏ يَعْنِي إذَا بَاعَهَا بِخِلَافِ جِنْسِهَا أَمَّا بِجِنْسِهَا مُجَازَفَةً فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا وَالْمُجَازَفَةُ هِيَ أَخْذُ الشَّيْءِ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَكَذَا الْقِسْمَةُ إذَا وَقَعَتْ فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ الرِّبَا لَا تَجُوزُ مُجَازَفَةً أَيْضًا لِأَنَّهَا كَالْبَيْعِ وَقَوْلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ اسْمُ الطَّعَامِ فِي الْعُرْفِ يَقَعُ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ ذِكْرُ الْحُبُوبِ بَعْدَ الطَّعَامِ تَكْرَارًا وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْحُبُوبِ مَا سِوَى الْحِنْطَةِ كَالذُّرَةِ وَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ‏(‏قَوْلُهُ وَبِإِنَاءٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ‏)‏ هَذَا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ خَزَفٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ خَشَبٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك مِلْءَ هَذَا الطَّشْتِ أَوْ مِلْءَ هَذِهِ الْقَصْعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِمَا أَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فِيهِ التَّسْلِيمَ لِأَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ حَاضِرَةٍ فَيَنْدُرُ هَلَاكُهُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ السَّلَمِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ وَالْهَلَاكُ لَيْسَ بِنَادِرٍ قَبْلَهُ فَتَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ كَالزِّنْبِيلِ وَالْجِرَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْجُوَالِقِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اسْتَحْسَنَ فِي قُرْبِ الْمَاءِ وَأَجَازَهُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ كَذَا كَذَا قِرْبَةً بِهَذِهِ الْقِرْبَةِ وَعَيَّنَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَبِوَزْنِ حَجَرٍ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ‏)‏ هَذَا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ وَالْحَجَرُ بِحَالِهِمَا أَمَّا لَوْ تَلِفَا قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ذَلِكَ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَبْلَغَ مَا بَاعَهُ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ بِوَزْنِ

هَذِهِ الْبِطِّيخَةِ أَوْ هَذَا الطِّينِ وَمَا أَشْبَهَهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا‏)‏ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ سَمَّى جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا أَوْ لَمْ يُسَمِّ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الصَّرْفُ إلَى الْكُلِّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فَيُصْرَفُ إلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ مَعْلُومٌ إلَّا أَنْ تَزُولَ الْجَهَالَةُ بِتَسْمِيَةِ جَمِيعِ الْقُفْزَانِ أَوْ بِالْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ وَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ قَدْرُ الْقُفْزَانِ فَجُهِلَ الثَّمَنُ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَتَسْمِيَتُهُ لِكُلِّ قَفِيزٍ دِرْهَمًا لَا يُوجِبُ مَعْرِفَتَهُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ فِي الثَّانِي وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا وَمِثْلُهَا غَيْرُ مَانِعٍ ثُمَّ إذَا جَازَ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الْقَفِيزَانِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ‏.‏

وَكَذَا إذَا كِيلَ الطَّعَامُ فِي الْمَجْلِسِ وَعُرِفَ مَبْلَغُهُ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلِمَ بِذَلِكَ الْآنَ فَلَهُ الْخِيَارُ أَمَّا إذَا افْتَرَقَا قَبْلَ الْكَيْلِ وَكِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْفَسَادَ قَدْ تَقَرَّرَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِاسْتِئْنَافِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَتَى أَضَافَ كَلِمَةَ كُلِّ إلَى مَا لَا يُعْلَمُ مُنْتَهَاهُ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى وَهُوَ الْوَاحِدُ كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُلُّ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ كَذَلِكَ فِيمَا لَا يَكُونُ مُنْتَهَاهُ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا يُعْلَمُ جُمْلَتُهُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَالْعَقْدُ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنْ كَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ فَثَمَنُ جَمِيعِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ مَجْهُولٌ وَجَهَالَةُ مِقْدَارِ الثَّمَنِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ قَطِيعَ غَنَمٍ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي جَمِيعِهَا‏)‏ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ جَائِزٌ فِي الْجَمِيعِ وَكَذَا كُلُّ عَدَدِيٍّ مُتَفَاوِتٍ هُمَا قَاسَاهُ عَلَى الْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ وَهُوَ يَصْرِفُ الْعَقْدَ إلَى الْوَاحِدِ عَلَى أَصْلِهِ إلَّا أَنَّ بَيْعَ شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ لَا يَصِحُّ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الشِّيَاهِ وَبَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ فَلَا تُفْضِي الْجَهَالَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِيهِ وَتُفْضِي إلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْقَطِيعَ كُلَّ شَاتَيْنِ مِنْهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَسَمَّى جُمْلَتَهُ مِائَةً لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ وَجَدَهُ كَمَا سَمَّى يَعْنِي وَإِنْ عَلِمَ الْجُمْلَةَ فِي الْمَجْلِسِ وَاخْتَارَ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَجْهُولٌ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا تُعْرَفُ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهَا أُخْرَى وَلَا يَدْرِي أَيَّ شَاةٍ يَضُمُّ إلَيْهَا فَإِذَا ضَمَّ إلَيْهَا أَرْدَأَ مِنْهَا تَكُونُ حِصَّتُهَا أَكْثَرَ وَإِنْ ضَمَّ إلَيْهَا أَجْوَدَ مِنْهَا تَكُونُ حِصَّتُهَا أَقَلَّ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَالَ بِعْتُكهَا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ شَاةٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَإِنْ وَجَدَهَا مِائَةً فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي جَمِيعِهَا وَإِنْ وَجَدَهَا نَاقِصَةً لَزِمَهُ كُلُّ شَاةٍ بِدِينَارٍ وَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ وَجَدَهَا زَائِدَةً فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ ثَوْبًا مُذَارَعَةً كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ‏)‏ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَا يَصِحُّ فِي ذِرَاعٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الذِّرَاعَ مِنْ الثَّوْبِ يَخْتَلِفُ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ عَلَى الْبَائِعِ ‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيرٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا أَقَلَّ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ‏)‏ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِالْمَوْجُودِ ‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ‏)‏ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ وَالْقَدْرُ لَيْسَ بِوَصْفٍ بَلْ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ ‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَهُمَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ‏)‏ لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْوَصْفُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالْأَطْرَافِ فِي الْحَيَوَانِ بِخِلَافِ الْقَدْرِ فِي الصُّبْرَةِ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ هُنَا لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ ‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ مِنْ الذِّرَاعِ الَّذِي سَمَّاهُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ‏)‏ لِأَنَّ الذَّرْعَ صِفَةٌ فِيهِ فَهُوَ مِثْلُ صِفَةِ أَطْرَافِ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ أَعْوَرُ أَوْ مَقْطُوعُ الْيَدِ فَوَجَدَهُ صَحِيحًا كَانَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ فَوَجَدَهُ أَعْوَرَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَإِنْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَوَجَدَهَا بِكْرًا فَهِيَ لَهُ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ بِعْتُكهَا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا نَاقِصَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا‏)‏ لِأَنَّ الْوَصْفَ هُنَا صَارَ أَصْلًا بِإِفْرَادِهِ بِذِكْرِ الثَّمَنِ فَنَزَلَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ آخِذًا كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَإِنَّمَا قَالَ بِعْتُكهَا فَأَنَّثَ الضَّمِيرَ وَقَدْ ذَكَرَ لَفْظَ الثَّوْبِ عَلَى تَأْوِيلِ الثِّيَابِ أَوْ الْمَذْرُوعَاتِ ‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهَا زَائِدَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَمِيعَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ‏)‏ وَإِذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَإِنْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ جَازَ إجْمَاعًا لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ وَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِذَا هُوَ عَشَرَةٌ وَنِصْفٌ أَوْ تِسْعَةٌ وَنِصْفٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَأْخُذُ بِعَشَرَةٍ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَفِي الثَّانِي يَأْخُذُهُ بِتِسْعَةٍ إنْ شَاءَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُهُ فِي الْأَوَّلِ بِأَحَدَ عَشَرَ إنْ شَاءَ وَفِي الثَّانِي بِعَشَرَةٍ إنْ شَاءَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَوَّلِ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ إنْ شَاءَ وَفِي الثَّانِي بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ إنْ شَاءَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ جَعَلَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِمُحَمَّدٍ وَقَوْلَ مُحَمَّدٍ لِأَبِي يُوسُفَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ بِنَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ‏)‏ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الْعَرْصَةَ وَالْبِنَاءَ فِي الْعُرْفِ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ قَرَارٍ وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ فِي الدَّارِ مِنْ صِفَاتِهَا وَصِفَاتُ الْمَبِيعِ تَابِعَةٌ لَهُ ثُمَّ إذَا بَاعَ الدَّارَ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ جَمِيعُ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ بُيُوتٍ وَمَنَازِلَ وَعُلْوٍ وَسُفْلٍ وَمَطْبَخٍ وَبِئْرٍ وَكَنِيفٍ وَجَمِيعِ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا حُدُودُهَا الْأَرْبَعُ ‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ أَرْضًا دَخَلَ مَا فِيهَا مِنْ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ‏)‏ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا لِلْقَرَارِ فَأَشْبَهَ الْبِنَاءَ وَلِأَنَّهُ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ عَلَى الدَّوَامِ وَلَا غَايَةَ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ النَّخِيلُ مُثْمِرَةً وَقْتَ الْعَقْدِ وَشَرَطَ الثَّمَرَةَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ النَّخْلِ كَذَلِكَ وَقِيمَةُ الثَّمَرَةِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الثَّمَنُ أَثْلَاثًا إجْمَاعًا فَلَوْ فَاتَتْ الثَّمَرَةُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ أَكَلَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يُطْرَحُ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا فَبِفَوَاتِهَا تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَامِ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً وَقْتَ الْعَقْدِ وَأَثْمَرَتْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ وَتَكُونُ الثَّمَرَةُ زِيَادَةً عَلَى الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى النَّخْلِ خَاصَّةً بَيَانُهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ النَّخْلِ كَذَلِكَ وَالثَّمَرَةُ كَذَلِكَ فَأَكَلَ الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ طُرِحَ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لَهُ عِنْدَ أَبِي

حَنِيفَةَ خَاصَّةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ الْخِيَارُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُطْرَحُ عَنْهُ رُبُعُ الثَّمَنِ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ عَلَى الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ نِصْفَيْنِ فَمَا أَصَابَ النَّخْلَ قُسِمَ عَلَيْهِ وَعَلَى الثَّمَرَةِ نِصْفَيْنِ فَكَانَ حِصَّتُهُ الرُّبُعَ وَلَوْ فَاتَتْ الثَّمَرَةُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يُطْرَحُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ سَمَّى لِلنَّخْلِ خَمْسَمِائَةٍ وَلِلْأَرْضِ كَذَلِكَ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّخْلِ خَاصَّةً إجْمَاعًا فَإِذَا أَكَلَهُ الْبَائِعُ طُرِحَ مِنْ الثَّمَنِ رُبُعُهُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهُ الْخِيَارُ ‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ‏)‏ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا لِلْفَصْلِ فَأَشْبَهَ الْمَتَاعَ الَّذِي فِيهَا وَلِأَنَّ لَهُ غَايَةً يَنْتَهِي إلَيْهَا بِخِلَافِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا بَيْعُ جَارِيَةٍ لَهَا حَمْلٌ فِي بَطْنِهَا أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ لَهُمَا حَمْلٌ فِي بُطُونِهِمَا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ اتِّصَالُهُ بِالْأُمِّ لِلْفَصْلِ لَا مَحَالَةَ وَلَهُ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ مُنَاسَبَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ‏}‏ فَكَيْفَ دَخَلَ الْوَلَدُ وَلَمْ يَدْخُلْ الزَّرْعُ قُلْنَا لَمَّا لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ عَلَى فَصْلِ الْوَلَدِ مِنْ أُمِّهِ وَوُجِدَتْ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ مِنْهَا فَلَمْ يُعْتَبَرْ انْفِصَالُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْجُزْئِيَّةِ وَلِعَدَمِ إمْكَانِ الْبَائِعِ مِنْ فَصْلِهِ وَأَمَّا الزَّرْعُ فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ فَصْلِهِ كُلُّ أَحَدٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرَةٌ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ‏)‏ بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت هَذَا الشَّجَرَ مَعَ ثَمَرِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً أَوْ لَا فِي كَوْنِهَا لِلْبَائِعِ عِنْدَنَا وَالتَّأْبِيرُ هُوَ التَّلْقِيحُ ‏(‏قَوْلُهُ وَيُقَالُ لَهُ اقْطَعْهَا وَسَلِّمْ الْمَبِيعَ‏)‏ وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهَا زَرْعٌ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَ عَلَيْهِ تَفْرِيقُهُ وَتَسْلِيمُهُ وَكَذَا إذَا أَوْصَى بِنَخْلَةٍ لِرَجُلٍ وَعَلَيْهَا ثَمَرٌ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي أُجْبِرَ الْوَرَثَةُ عَلَى قَطْعِ الثَّمَرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ ثِيَابُهُ الَّتِي لِلْمِهْنَةِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ الثِّيَابُ النَّفِيسَةُ الَّتِي لَبِسَهَا لِلْعَرْضِ وَكَذَا إذَا بَاعَ دَابَّةً لَا يَدْخُلُ سَرْجُهَا وَلِجَامُهَا ‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا أَوْ قَدْ بَدَا جَازَ الْبَيْعُ‏)‏ سَوَاءٌ أُبِّرَتْ أَمْ لَا وَبَدْوُ الصَّلَاحِ صَيْرُورَتُهُ صَالِحًا لِتَنَاوُلِ بَنِي آدَمَ أَوْ لِعَلْفِ الدَّوَابِّ وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْتَفِعًا بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى وَلَدَ جَارِيَةٍ مَوْلُودًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفِعًا بِهِ فِي الْحَالِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَوَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُهَا فِي الْحَالِ‏)‏ تَفْرِيقًا لِمِلْكِ الْبَائِعِ هَذَا إذَا اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَمَّا إذَا اُشْتُرِطَ تَرْكُهَا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شَرْطُ شَغْلِ مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ إعَارَةٌ أَوْ إجَارَةٌ فِي بَيْعٍ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ زِيَادَةَ مَالٍ يَحْصُلُ لَهُ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْبَيْعِ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ وَكَذَا بَيْعُ الزَّرْعِ بِشَرْطِ التَّرْكِ لِمَا قُلْنَا وَإِذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّرْكِ وَتَرَكَهَا بِإِذْنِ

الْبَائِعِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ وَإِنْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ فِي ذَاتِهِ بِأَنْ تُقَوَّمَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ وَيُقَوَّمَ بَعْدَهُ فَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لِحُصُولِهِ بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ وَإِنْ تَرَكَهَا بَعْدَمَا يَتَنَاهَى عِظَمُهَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ لِأَنَّ هَذَا تَغَيُّرُ حَالَةٍ لَا تُحَقِّقُ زِيَادَةً أَيْ تَغَيُّرُ حَالَةٍ مِنْ النِّيءِ إلَى النُّضْجِ لَا تَحَقُّقُ زِيَادَةٍ فِي الْجِسْمِ وَإِنْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ وَاسْتَأْجَرَ النَّخْلَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ لِحُصُولِ الْإِذْنِ وَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ لِأَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ بَاطِلَةٌ لَا تَعَامُلَ فِيهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَبَقِيَ الْإِذْنُ مُعْتَبَرًا فَيَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ وَهُوَ بَقْلٌ وَاسْتَأْجَرَ مِنْ الْبَائِعِ الْأَرْضَ إلَى أَنْ يُدْرَكَ وَتَرَكَهُ حَيْثُ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ لِأَنَّهَا إلَى وَقْتِ الْحَصَادِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ وَيَكُونُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهَا الْمُسَمَّى وَيَطِيبُ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ قَدْرُ مَا ضَمِنَ مِنْ الثَّمَنِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَةَ وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا أَرْطَالًا مَعْلُومَةً‏)‏ هَذَا إذَا بَاعَهَا عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ أَمَّا إذَا كَانَ مَجْذُوذًا فَبَاعَ الْكُلَّ إلَّا صَاعًا مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَقَوْلُهُ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَوْ كَانَ رَطْلًا وَاحِدًا يَجُوزُ كَذَا فِي شَاهَانْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ كُلَّهُ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ فِيمَا سِوَى تِلْكَ الشَّاةِ وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ كُلَّهُ عَلَى أَنَّ لِي مِنْهُ هَذِهِ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُوَ التَّكَلُّمُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا فَكَانَتْ الشَّاةُ الَّتِي عَيَّنَهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْحَقِيقِيِّ غَيْرَ دَاخِلَةٍ فِي الْبَيْعِ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ لِي هَذِهِ الشَّاةَ الْمُعَيَّنَةَ فَإِنَّهَا دَخَلَتْ أَوَّلًا فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَتِلْكَ الْحِصَّةُ مَجْهُولَةٌ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ وَنَظِيرُ هَذَا مَا إذْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ إلَّا عُشْرَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي تِسْعَةِ أَعْشَارِهِ وَلَوْ قَالَ بِعْته بِكَذَا عَلَى أَنَّ لِي عُشْرَهُ لَمْ يَصِحَّ لِهَذَا الْمَعْنَى‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَالْبَاقِلَاءُ فِي قِشْرِهَا‏)‏ وَكَذَلِكَ السِّمْسِمُ وَالْأُرْزُ وَهَذَا إذَا بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ أَمَّا بِجِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا فِي السُّنْبُلِ وَدَقُّ السُّنْبُلِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَوَصَّلُ بِهِ الْبَائِعُ إلَى الْإِقْبَاضِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ يَعْنِي إذَا بَاعَهُ مُكَايَلَةً وَلَوْ بَاعَ تِبْنَ الْحِنْطَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ لَيْسَ بِتِبْنٍ وَإِنَّمَا يَصِيرُ تِبْنًا بِالدَّقِّ فَقَدْ بَاعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَفَاتِيحُ إغْلَاقِهَا‏)‏ يَعْنِي مَفَاتِيحَ الْإِغْلَاقِ الْمُرَكَّبَةَ عَلَى الْأَبْوَابِ لِأَنَّ الْأَغْلَاقَ تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ فِيهَا لِلْبَقَاءِ وَالْمِفْتَاحُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْغَلْقِ بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بَعْضِهِ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ دُونَهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَنَاقِدُ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ‏)‏ لِأَنَّ الْكَيْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلتَّسْلِيمِ وَهُوَ عَلَى الْبَائِعِ وَهَذَا إذَا بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَمَّا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَيْلُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَتُهُ وَكَذَا أُجْرَةُ الْوَزَّانِ وَالذَّرَّاعِ وَالْعَدَّادِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْبَيْعُ مَوْزُونًا أَوْ مَذْرُوعًا أَوْ مَعْدُودًا فَبَاعَهُ مُوَازَنَةً أَوْ ذَرْعًا أَوْ عَدًّا قَالَ فِي الْعُيُونِ الْكَيْلُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُبَّهُ فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي وَإِذَا اشْتَرَى حِنْطَةً فِي جِرَابٍ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَفْتَحَ الْجِرَابَ فَإِذَا فَتَحَهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي إخْرَاجُهُ وَأَمَّا نَاقِدُ الثَّمَنِ فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ أُجْرَتَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ النَّقْدَ يَكُونُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْوَزْنِ وَالْبَائِعُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِيَعْرِفَ الْمَعِيبَ فَيَرُدُّهُ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ عَلَيْهِ الْجِيَادُ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ فَلَزِمَتْهُ أُجْرَتُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا بَعْدَهُ فَعَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ خِلَافُ حَقِّهِ فَإِنَّ النَّاقِدَ إنَّمَا يُمَيِّزُ مِلْكَهُ لِيَسْتَوْفِيَ بِذَلِكَ حَقًّا لَهُ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ ‏(‏قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ وَازِنِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي‏)‏ لِأَنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي تَعْيِينُ الثَّمَنِ لَهُ وَتَوْفِيَتُهُ لِلْبَائِعِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْوَزْنِ فَكَانَ عَمَلُهُ لَهُ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي سَلِّمْ الثَّمَنَ أَوَّلًا‏)‏ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي قَدْ تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ فَيَدْفَعُ الثَّمَنَ لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ الثَّمَنِ حَتَّى يُحْضِرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ ‏(‏قَوْلُهُ فَإِذَا دَفَعَ الثَّمَنَ قِيلَ لِلْبَائِعِ سَلِّمْ الْمَبِيعَ‏)‏ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الثَّمَنَ بِالْقَبْضِ فَلَزِمَهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ فَإِنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَإِذَا ثَبَتَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ أَوَّلًا فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا وَإِذَا كَانَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا فَلَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الْحَالَّ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ كَانَ لَهُ الْحَبْسُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَاقِيَ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ كَالِاسْتِيفَاءِ وَلَوْ اسْتَوْفَى الْبَعْضَ كَانَ لَهُ الْحَبْسُ بِمَا بَقِيَ وَلَوْ دَفَعَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا أَوْ تَكَفَّلَ بِهِ كَفِيلٌ لَمْ يَسْقُطْ الْحَبْسُ وَلَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ رَجُلًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ سَقَطَ الْحَبْسُ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى رَجُلٍ بِالثَّمَنِ سَقَطَ الْحَبْسُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ

لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَحَالَ بِالثَّمَنِ فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِالْحَوَالَةِ فَصَارَ كَالْبَرَاءَةِ بِالْإِيفَاءِ أَوْ بِإِبْرَاءِ الْبَائِعِ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَسْقُطُ الْحَبْسُ لِأَنَّ مُطَالَبَةَ الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ لَمْ تَسْقُطْ فَكَانَ لَهُ الْحَبْسُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مُطَالَبَتَهُ سَقَطَتْ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَى وَلَوْ أَجَّلَهُ بِالثَّمَنِ سَنَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَلَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ فَالْأَجَلُ سَنَةٌ مِنْ حِينِ يَقْبِضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَتْ سَنَةً بِعَيْنِهَا وَمَضَتْ صَارَ حَالًّا وَعِنْدَهُمَا الثَّمَنُ حَالٌّ فِي الْوَجْهَيْنِ ‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ أَوْ ثَمَنًا بِثَمَنٍ قِيلَ لَهُمَا سَلِّمَا مَعًا‏)‏ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعْيِينِ وَبَيْعُ السِّلْعَةِ بِالسِّلْعَةِ يُسَمَّى بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ وَبَيْعُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ يُسَمَّى بَيْعُ الصَّرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

باب خِيَارِ الشَّرْطِ

خِيَارُ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ حُكْمِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَهُوَ وُضِعَ لِلْفَسْخِ لَا لِلْإِجَازَةِ عِنْدَنَا حَتَّى إذَا فَاتَ وَقْتُ الْفَسْخِ بِمُضِيِّ وَقْتِهِ تَمَّ الْعَقْدُ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وُضِعَ لِلْإِجَازَةِ لَا لِلْفَسْخِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ فَاتَتْ الْإِجَازَةُ وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏خِيَارُ الشَّرْطِ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَلَهُمَا الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا‏)‏ قَيَّدَ بِالْبَيْعِ احْتِرَازًا مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَقَوْلُهُ وَلَهُمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ خِيَارُ الشَّرْطِ جَائِزٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ وَلَهُمَا مَعًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ لِبَيَانِ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَقَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَوْ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ إذَا سَمَّيَا مُدَّةً مَعْلُومَةً‏)‏ فَإِنْ شَرَطَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ فَإِنْ أَجَازَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثِ أَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْخِيَارِ فِي الثَّلَاثِ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ أَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ إذَا فَسَدَ الْعَقْدُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَمْ يَصِحَّ أَبَدًا لِأَنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا جَازَ وَإِلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ إلَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ فَإِنْ نَقَدَ فِي الثَّلَاثَةِ جَازَ إجْمَاعًا وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ انْفَسَخَ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ

إذَا لَمْ يُوَقِّتْ لِلْخِيَارِ وَقْتًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ وَقَبْلَ أَنْ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا لِأَجْلِ الْفَسَادِ انْقَلَبَ جَائِزًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَوْ شَرَطَ خِيَارَ الْأَبَدِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ إجْمَاعًا فَلَوْ أَسْقَطَ خِيَارَهُ فِي الثَّلَاثِ يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَلَوْ أَسْقَطَهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَوْ شَرَطَ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَسْقَطَ مِنْهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ سَقَطَ مِنْهَا مَا أَسْقَطَهُ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ إلَّا يَوْمًا‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثًا بَعْدَ شَهْرٍ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ شَهْرًا كَامِلًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا خِيَارَ لَهُ بَعْدَ الشَّهْرِ وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ إلَى اللَّيْلِ أَوْ إلَى الْغَدِ أَوْ إلَى الظُّهْرِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ وَالْغَدِ كُلِّهِ وَوَقْتِ الظُّهْرِ كُلِّهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ الْخِيَارُ فِي اللَّيْلِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَفِي الظُّهْرِ إلَى الزَّوَالِ وَفِي الْغَدِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي نِصْفِهِ وَنِصْفُهُ بَاتٌّ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ النِّصْفَ مَعْلُومٌ وَثَمَنَهُ مَعْلُومٌ ‏(‏قَوْلُهُ وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ‏)‏ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فِيهِ وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي إجْمَاعًا وَهَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى

اجْتِمَاعِ الْبَدَلَيْنِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى أَنَّ الثَّمَنَ لَا مَالِكَ لَهُ وَلَوْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَإِنْ فَسَخَ بِالْقَوْلِ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ صَحَّ الْفَسْخُ إجْمَاعًا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَ الْفَسْخُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ صَحَّ الْفَسْخُ وَلَوْ تَصَرَّفَ كَالْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ أَوَّلًا وَالثَّمَنُ عَيْنٌ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَكَانَ إجَازَةً لِلْبَيْعِ وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِمَا مَعًا بِأَنْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَأَعْتَقَهُمَا مَعًا عَتَقَا وَلَزِمَهُ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ‏.‏

وَلَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْمَبِيعِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي الثَّمَنِ وَهُوَ عَيْنٌ فِي يَدِهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي ‏(‏قَوْلُهُ فَإِذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ‏)‏ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا أَمَّا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ ‏(‏قَوْلُهُ وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْك الْبَائِعِ بِالْإِجْمَاعِ‏)‏ وَهَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ وَيَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

لِأَنَّ الثَّمَنَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَلَوْ مَلَكَ الْمَبِيعَ لَاجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ الْعِوَضَانِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَهُمَا يَقُولَانِ الْمَبِيعُ إنَّمَا قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي يَكُونُ زَائِلًا إلَى مَالِكٍ وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لَهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ إجْمَاعًا وَيَكُونُ إجَازَةً مِنْهُ ثُمَّ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَنُفُوذُ الْبَيْعِ بِأَرْبَعَةِ مَعَانٍ أَحَدِهَا أَنْ يَقُولَ أَجَزْت سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَالثَّانِي أَنْ يَمُوتَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَيَبْطُلُ خِيَارُهُ بِمَوْتِهِ وَيَنْفُذُ عَقْدُهُ وَلَا يَقُومُ الْوَرَثَةُ مَقَامَهُ وَلَا يَكُونُ مَوْرُوثًا عَنْهُ‏.‏

وَالثَّالِثِ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ مِمَّنْ لَهُ الْخِيَارُ وَالرَّابِعِ أَنْ يَصِيرَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَى حَالٍ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي فَسْخَهُ مِثْلَ أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ أَوْ يَنْتَقِصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي نُقْصَانًا يَسِيرًا أَوْ فَاحِشًا بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِفِعْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ وَإِذَا زَادَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي قَبْضِ الْمُشْتَرِي زِيَادَةً مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالسِّمَنِ وَالْبُرْءِ مِنْ الْمَرَضِ مَنَعَتْ الرَّدَّ وَالْفَسْخَ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَنَفَذَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمَا كَالنُّقْصَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ أَوْ لَتِّ السَّوِيقِ أَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ مَنَعَتْ الرَّدَّ إجْمَاعًا وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْهَا كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ مَنَعَتْ الرَّدَّ أَيْضًا وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَنَفَذَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً

غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالْكَسْبِ وَالْهِبَةِ وَالْغَلَّةِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْبَيْعَ فَالزِّيَادَةُ لَهُ مَعَ الْأَصْلِ إجْمَاعًا وَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ يَرُدُّ الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَرُدُّ الْأَصْلَ لَا غَيْرُ وَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ مَذْهَبَهُمَا أَنَّ الْمَبِيعَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَتَكُونُ الزَّوَائِدُ حَاصِلَةً مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَزِمَهُ رَدُّهَا إلَيْهِ وَأَمَّا فَسْخُهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ فَبِالْقَوْلِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِحُّ بِغَيْرِ حُضُورِهِ وَأَمَّا فَسْخُهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَيْنًا فَيَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَجَوَازُ الْبَيْعِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ مَعَانٍ أَحَدِهَا أَنْ يُجِيزَ بِالْقَوْلِ فِي الْمُدَّةِ فَيَقُولَ أَجَزْت فَيَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَالثَّانِي أَنْ يَمُوتَ الْبَائِعُ فِي الْمُدَّةِ فَيَبْطُلَ خِيَارُهُ وَيَنْفُذَ عَقْدُهُ وَلَا يَقُومَ الْوَرَثَةُ مَقَامَهُ فِي الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَالثَّالِثِ أَنْ تَمْضِيَ الْمُدَّةُ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَلَا إجَازَةٍ وَفَسْخُهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ فَالْقَوْلُ أَنْ يَقُولَ فِي الْمُدَّةِ فَسَخْت فَإِنْ كَانَ فَسَخَهُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي انْفَسَخَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي فِي الْمُدَّةِ انْفَسَخَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى مَضَتْ جَازَ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِحُّ الْفَسْخُ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إجَازَتَهُ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ تَجُوزُ وَأَمَّا الْفَسْخُ بِالْفِعْلِ فَهُوَ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْبَائِعُ

فِي الْمُدَّةِ فِي الْمَبِيعِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ الْوَطْءِ أَوْ التَّزْوِيجِ أَوْ الْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا ‏(‏قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ الثَّمَنُ مِنْ مِلْكِهِ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّ الْمَبِيعَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَمْلِكُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ زَائِلًا لَا إلَى مَالِكٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ أَحَدِهَا إذَا اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ وَخِيَارُهُ عَلَى حَالِهِ وَعِنْدَهُمَا عَتَقَ حِينَ اشْتَرَاهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إذَا اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَتَقَ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَشْكُلُ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَوْ أَرْسَلَ الْعِتْقَ بَعْدَ شِرَائِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ نَفَذَ وَالثَّانِيَةِ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ عِنْدَهُلِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَعِنْدَهُمَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْمُدَّةِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا سَقَطَ الْخِيَارُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهَا كَقَطْعِ يَدِهَا‏.‏

وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ وَلَهُ رَدُّهَا لِأَنَّهُ وَطِئَهَا بِالنِّكَاحِ وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا سَوَاءٌ كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا لِأَنَّ وَطْأَهُ حَصَلَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالنِّكَاحُ قَدْ ارْتَفَعَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا سَوَاءٌ كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا لِأَنَّ وَطْأَهُ حَصَلَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالثَّالِثَةِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَبَضَهَا فَحَاضَتْ عِنْدَهُ فِي الْمُدَّةِ فَاخْتَارَهَا لَا يَكْتَفِي بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَكْتَفِي بِهَا وَلَوْ اخْتَارَ الْفَسْخَ وَعَادَتْ إلَى الْبَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا عَلَى الْبَائِعِ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْبَائِعِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَجِبُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا عِنْدَهُمَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ كَانَ بَاتًّا ثُمَّ فُسِخَ الْعَقْدُ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَجَبَ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَفَسَخَ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ جَوَازِ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ بِحَيْضَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ إجْمَاعًا وَالرَّابِعَةِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَعِنْدَهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَخِيَارُهُ عَلَى حَالِهِ إلَّا إذَا اخْتَارَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَعِنْدَهُمَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَهَذَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ بِالثَّمَنِ‏)‏ يَعْنِي إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ فَلَزِمَهُ ثَمَنُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ أَنَّ الثَّمَنَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ وَالْقِيمَةُ مَا قُوِّمَ بِهِ الشَّيْءُ بِمَنْزِلَةِ الْمِعْيَارِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَأَمَّا إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ ‏(‏قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلَهُ عَيْبٌ‏)‏ لِأَنَّهُ بِوُجُودِ الْعَيْبِ مُمْسِكٌ لِبَعْضِهِ فَلَوْ قُلْنَا إنَّ لَهُ الرَّدَّ لِتَضَرُّرِ الْبَائِعِ وَهَذَا إذَا كَانَ عَيْبًا لَا يَرْتَفِعُ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ أَمَّا إذَا كَانَ عَيْبًا يَرْتَفِعُ كَالْمَرَضِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ فَإِذَا زَالَ الْمَرَضُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ بَعْدَمَا ارْتَفَعَ الْمَرَضُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا إذَا مَضَتْ الثَّلَاثَةُ وَالْمَرَضُ قَائِمٌ لَزِمَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَفَعَلَ بِالْمَبِيعِ فِعْلًا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَهُوَ إجَازَةٌ لِلْبَيْعِ مِثْلَ أَنْ يَطَأَ الْجَارِيَةَ أَوْ يُقَبِّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ وَحَدُّ الشَّهْوَةِ أَنْ تَنْتَشِرَ آلَتُهُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا وَقِيلَ أَنْ يَشْتَهِيَ بِقَلْبِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ الِانْتِشَارُ وَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يَكُنْ إجَازَةً وَإِنْ قَبَّلَتْهُ الْأَمَةُ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَتْهُ بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَتْ إلَى فَرْجِهِ بِشَهْوَةٍ وَأَقَرَّ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِشَهْوَةٍ فَهُوَ رِضًا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ فِعْلُهَا إجَازَةً لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ رِضًى وَلَوْ بَاضَعَهَا أَوْ ضَاجَعَهَا أَوْ بَاشَرَهَا وَهِيَ فَعَلَتْ بِهِ ذَلِكَ بَطَلَ خِيَارُهُ سَوَاءٌ كَانَ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ الْقُبْلَةِ فَإِذَا بَطَلَ الْخِيَارُ بِالْقُبْلَةِ فَبِالْوَطْءِ أَوْلَى وَلَوْ قَبَّلَهَا وَقَالَ قَبَّلْتهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ إنْ كَانَ فِي الْفَمِ لَا يُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ صُدِّقَ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ‏.‏

وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ زَوَّجَ الْأَمَةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ فَهُوَ رِضًا وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ دَابَّةً فَرَكِبَهَا لِيَنْظُرَ إلَى سَيْرِهَا أَوْ قُوَّتِهَا أَوْ كَانَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ لِيَنْظُرَ إلَى مِقْدَارِهِ أَوْ أَمَةً فَاسْتَخْدَمَهَا لِيَنْظُرَ ذَلِكَ مِنْهَا فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ فَإِنْ زَادَ فِي الرُّكُوبِ عَلَى مَا يُعْرَفُ بِهِ فَهُوَ رِضًا وَإِنْ رَكِبَهَا لِحَاجَةٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا أَوْ أَجَّرَهَا أَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَسَقَاهَا أَوْ حَرَثَهَا أَوْ كَانَ زَرْعًا فَحَصَدَهُ أَوْ فَصَلَ مِنْهُ شَيْئًا لِدَوَابِّهِ فَهُوَ رِضًا وَإِنْ رَكِبَهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ رِضًا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى قَوْدِهَا وَالِاسْتِحْسَانُ لَيْسَ بِرِضًا لِأَنَّ الدَّوَابَّ قَدْ تَمْتَنِعُ وَلَا يُمْكِنُ سَيْرُهَا إلَّا بِالرُّكُوبِ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بِئْرًا فَاسْتَقَى مِنْهَا لِلْوُضُوءِ أَوْ وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ فَنَزَحَهَا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا سَقَى مِنْهَا زَرْعَهُ فَإِنَّهُ رِضًا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَفَصَدَهُ فَهُوَ رِضًا وَإِنْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ وَإِنْ كَانَتْ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَطَلَ خِيَارُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَذِرًا وَكَذَا إذَا كَانَتْ شَاةً فَوَلَدَتْ إنْ كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا بَطَلَ خِيَارُهُ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَمْ يَبْطُلْ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ رِضًا ‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَهُ فَإِنْ اخْتَارَ الْإِجَازَةَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ صَاحِبِهِ جَازَ وَإِنْ فَسَخَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ حَاضِرًا‏)‏ وَهَذَا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ يَجُوزُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ أَمَّا بِالْفِعْلِ فَيَجُوزُ مَعَ غَيْبَتِهِ إجْمَاعًا كَمَا إذَا بَاعَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ وَطِئَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ حَاضِرًا نَفْسُ الْحُضُورِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ عِلْمُهُ بِالْفَسْخِ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَهَا فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَطَلَ خِيَارُهُ‏)‏ وَتَمَّ الْبَيْعُ مِنْ قِبَلِهِ أَيُّهُمَا كَانَ لِأَنَّ بِالْمَوْتِ يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ وَقَطْعُهُ يُوجِبُ تَمَامَ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَإِنْ كَانَا جَمِيعًا بِالْخِيَارِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا تَمَّ الْبَيْعُ مِنْ قِبَلِهِ وَالْآخَرُ عَلَى خِيَارِهِ فَإِنْ مَاتَ جَازَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ شَيْئًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَعَجَزَ فِي الثَّلَاثِ تَمَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ عَجْزَهُ كَمَوْتِهِ ‏(‏قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى وَرَثَتِهِ‏)‏ وَإِنَّمَا لَمْ يُورَثْ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةٌ وَإِرَادَةٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَكَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ‏)‏ فَإِنْ قِيلَ لِمَ جَازَ الْبَيْعُ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ مَعَ أَنَّ الشَّرْطَ يُفْسِدُ الْبَيْعَ كَمَنْ بَاعَ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا تَحْلُبُ كَذَا فَإِنَّ الْبَيْعَ فِيهِ فَاسِدٌ قِيلَ الْفَرْقُ أَنَّ الْحَبَلَ فِي الْبَهَائِمِ زِيَادَةٌ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لَا يَدْرِي أَنَّهُ حَبَلٌ أَوْ انْتِفَاخٌ وَأَنَّ الْوَلَدَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ وَالْمَجْهُولُ إذَا ضُمَّ إلَى الْمَعْلُومِ يَصِيرُ الْكُلُّ مَجْهُولًا وَكَذَا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا تَحْلُبُ كَذَا لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مِقْدَارَهُ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ تَحْصِيلُهُ فَكَانَ مُفْسِدًا فَإِنْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ رَجَعَ إلَى الْبَائِعِ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الزِّيَادَاتِ‏.‏

وَفِي الْيَنَابِيعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِغَيْرِ الْمَوْتِ رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُقَوَّمَ خَبَّازًا وَغَيْرَ خَبَّازٍ وَيَضْمَنَ مَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ جَاءَ بِهِ لِيَرُدَّهُ فَقَالَ لَمْ أَجِدْهُ كَاتِبًا وَلَا خَبَّازًا فَقَالَ الْبَائِعُ قَدْ سَلَّمْته إلَيْك عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَك وَذَلِكَ فِي مُدَّةٍ لَا يَنْسَاهَا فِي مِثْلِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ مُدَّعِي تَسْلِيمَهُ عَلَى مَا ذُكِرَ وَالْمُشْتَرِيَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

باب خِيَارِ الرُّؤْيَةِ

خِيَارُ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَهُوَ خِيَارٌ ثَبَتَ حُكْمًا لَا بِالشَّرْطِ وَلَا يَتَوَقَّتُ وَلَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ جَازَ تَصَرُّفُهُ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏وَمَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ‏)‏ ثُمَّ إنَّهُ خِيَارٌ لَا يُورَثُ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الرَّدُّ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ رَضِيت ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ وَلَوْ رَدَّهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ صَحَّ رَدُّهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إلَى أَنْ يَرَاهُ فَيَرْضَى بِهِ أَوْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ وَرَآهُ وَرَضِيَ بِهِ جَازَ وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ وَسَقَطَ خِيَارُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ عَيْبٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُوَكِّلِ بِرُؤْيَةِ وَكِيلِ الْقَبْضِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ تُسْقِطُ خِيَارَهُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا فَأَخَذَ الْمَبِيعَ وَرَضِيَ بِهِ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْمُرْسَلِ لِأَنَّ الرَّسُولَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ وَقَدْ أُرْسِلَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَتَعَدَّاهُ وَإِذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ بَطَلَ خِيَارُهُ وَكَذَا إذَا أَوْجَبَ فِيهِ حَقًّا لِغَيْرِهِ مِثْلَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ يُؤَجِّرَهُ أَوْ يَرْهَنَهُ فَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بَعْدَمَا بَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَرَهُ لَمْ يَعُدْ خِيَارُهُ سَوَاءٌ كَانَ فَسْخُ الْعَقْدِ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا وَكَذَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِهِ أَوْ نَقَصَ أَوْ زَادَ زِيَادَةً

مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً فَإِنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ‏)‏ بِأَنْ وَرِثَ شَيْئًا فَلَمْ يَرَهُ حَتَّى بَاعَهُ هَذَا إذَا بَاعَ عَيْنًا بِثَمَنٍ أَمَّا إذَا بَاعَ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَمْ يَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْعِوَضِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرٍ لِلْعِوَضِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ أَوْ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا أَوْ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ أَوْ إلَى وَجْهِ الدَّابَّةِ وَكِفْلِهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ‏)‏ هَذَا إذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ لَا تَتَفَاوَتُ وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الثَّوْبِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ يُسْتَدَلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى بَاطِنِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَمَا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ عَلَمٌ مِنْ حَرِيرٍ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ حَتَّى يَرَاهُ وَلَوْ اشْتَرَى ثِيَابًا كَثِيرَةً فَرَأَى بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى ظَاهِرِ كُلِّ ثَوْبٍ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَتَفَاوَتُ وَأَمَّا إذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ أَوْ الْعَبْدِ فَالْمَقْصُودُ مِنْ بَنِي آدَمَ الْوَجْهُ فَرُؤْيَتُهُ كَرُؤْيَةِ الْجَمِيعِ وَكَذَا إذَا نَظَرَ إلَى أَكْثَرِ الْوَجْهِ فَهُوَ كَرُؤْيَةِ جَمِيعِهِ وَلَوْ نَظَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ إلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ فَخِيَارُهُ بَاقٍ وَلَوْ رَأَى وَجْهَهُ لَا غَيْرُ بَطَلَ خِيَارُهُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ‏.‏

وَأَمَّا إذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِ الدَّابَّةِ وَكِفْلِهَا فَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ وَالْمُرَادُ مِنْ الدَّابَّةِ الْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَالْبَغْلُ وَأَمَّا الشَّاةُ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِيهَا بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا وَكِفْلِهَا وَكِفْلُ الدَّابَّةِ عَجُزُهَا وَمُؤَخِّرُهَا وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً لِلدَّرِّ أَوْ لِلنَّسْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى ضَرْعِهَا وَإِنْ كَانَتْ شَاةَ لَحْمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ حَتَّى يَعْرِفَ الْهُزَالَ مِنْ السِّمَنِ وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً حَلُوبًا فَرَأَى كُلَّهَا وَلَمْ يَرَ ضَرْعَهَا فَلَهُ الْخِيَارُ

لِأَنَّ الضَّرْعَ هُوَ الْمَقْصُودُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ‏)‏ ‏(‏رَأَى صَحْنَ الدَّارِ‏)‏ ‏(‏فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ بُيُوتَهَا‏)‏ صَحْنُ الدَّارِ وَسَطُهَا‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ دَاخِلِ الْبُيُوتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ الدُّورَ مُخْتَلِفَةٌ وَكَلَامُ الشَّيْخِ خَرَجَ عَلَى دُورِهِمْ بِالْكُوفَةِ لِأَنَّ دَاخِلَهَا وَخَارِجَهَا سَوَاءٌ وَلَوْ رَأَى مَا اشْتَرَاهُ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجَةٍ أَوْ فِي مِرْآةٍ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَلَى شَفَا حَوْضٍ فَرَآهُ فِي الْمَاءِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِرُؤْيَةٍ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهَيْئَتِهِ وَيُخَالِفُ هَذَا النَّظَرَ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجَةٍ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَيُوَافِقُهُ فِيمَا عَدَا الزُّجَاجِ وَلَوْ كَانَتْ فِي وَسَطِ الْمَاءِ فَرَأَى فَرْجَهَا عَنْ شَهْوَةٍ وَهِيَ فِيهِ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى‏)‏ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيمَا بَاعَ كَالْبَصِيرِ إذَا بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ بِأَنْ يَجُسَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالْجَسِّ أَوْ يَشُمَّهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالشَّمِّ أَوْ يَذُوقَهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ‏)‏ وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا فَلَا بُدَّ مِنْ صِفَةِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَرِقَّتِهِ مَعَ الْجَسِّ وَفِي الْحِنْطَةِ لَا بُدَّ مِنْ اللَّمْسِ وَالصِّفَةِ وَفِي الْأَدْهَانِ لَا بُدَّ مِنْ الشَّمِّ وَفِي الثَّمَرَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ يُعْتَبَرُ بِالصِّفَةِ ‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْعَقَارِ حَتَّى يُوصَفَ لَهُ‏)‏ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ وَكَذَا الدَّابَّةُ وَالْعَبْدُ وَالْأَشْجَارُ وَجَمِيعُ مَا لَا يُعْرَفُ بِالْجَسِّ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ فَإِنَّهُ يَقِفُ عَلَى الصِّفَةِ وَالصِّفَةُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الرُّؤْيَةِ فَإِذَا وُصِفَ لَهُ وَاشْتَرَاهُ وَكَانَ كَمَا وُصِفَ لَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ يَعْنِي إذَا اشْتَرَى مَا وُصِفَ لَهُ ثُمَّ أَبْصَرَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ مَا لَمْ يَرَهُ ثُمَّ عَمِيَ انْتَقَلَ إلَى الصِّفَةِ وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ مَا وُصِفَ لَهُ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى النَّظَرِ وَالصِّفَةُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَوْ قَالَ الْأَعْمَى قَبْلَ الْوَصْفِ رَضِيت لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ مَا لَمْ يَرَهُ وَفَسَخَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ صَحَّ فَسْخُهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ‏)‏ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ سَوَاءٌ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ وَقَبْضُ الْمَالِكِ الثَّمَنَ دَلِيلٌ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَوْ رَأَى رَجُلًا يَبِيعُ لَهُ شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَسَكَتَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ إذْنًا فِي إجَازَةِ بَيْعِهِ كَذَا فِي شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ ‏(‏قَوْلُهُ وَلَهُ الْإِجَازَةُ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا وَالْمُتَعَاقِدَانِ بِحَالِهِمَا‏)‏ وَاعْلَمْ أَنَّ قِيَامَ الْأَرْبَعَةِ شَرْطٌ لِلُحُوقِ الْإِجَازَةِ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ وَالْمَالِكَ وَالْمَبِيعَ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ مَعَ قِيَامِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ جَازَ وَتَكُونُ الْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَيَكُونُ الْبَائِعُ كَالْوَكِيلِ وَالثَّمَنُ لِلْمُجِيزِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ هَلَكَ أَمَانَةً ثُمَّ لِهَذَا الْفُضُولِيِّ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْمَالِكُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ وَكَذَا لَوْ فَسَخَهُ الْمُشْتَرِي يَنْفَسِخُ وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمَالِكُ الْبَيْعَ وَفَسَخَهُ انْفَسَخَ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ فَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا يَجُوزُ بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا وَالْمُتَعَاقِدَانِ بِحَالِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِ الْمَبِيعِ أَبَاقٍ هُوَ أَمْ هَالِكٌ صَحَّتْ الْإِجَازَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَعْلَمَ قِيَامَهُ وَقْتَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ الشَّكَّ وَقَعَ فِي شَرْطِ الْإِجَازَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ ‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا مَعًا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا‏)‏ لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ رُؤْيَةً لِلْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الثِّيَابِ فَيَبْقَى الْخِيَارُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ ثُمَّ لَا يَرُدُّهُ وَحْدَهُ بَلْ يَرُدُّهُمَا كَيْ لَا

يُفَرِّقَ الصَّفْقَةَ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ وَلَوْ اشْتَرَى عَدْلَ بَزٍّ وَلَمْ يَرَهُ فَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ وَكَذَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَفِي رَدِّ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ سَقَطَ خِيَارُهُ‏)‏ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى وَرَثَتِهِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ ‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ‏)‏ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغْيِيرِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ حَادِثٌ وَسَبَبُ اللُّزُومِ ظَاهِرٌ وَهُوَ رُؤْيَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَغَيَّرُ بِطُولِ الزَّمَانِ أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً شَابَّةً رَآهَا فَاشْتَرَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ سَنَةً وَزَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ أَكَانَ يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا قَالُوا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَقِيلَ الْبَعِيدُ الشَّهْرُ فَمَا فَوْقَهُ وَالْقَرِيبُ دُونَ الشَّهْرِ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ أَرَهُ حَالَ الْعَقْدِ وَلَا بَعْدَهُ وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ رَأَيْته فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الرُّؤْيَةَ وَهِيَ حَادِثَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِيَمِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

باب خِيَارِ الْعَيْبِ

الْعَيْبُ هُوَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْمِلْكِ وَخِيَارَ الْعَيْبِ يَمْنَعُ لُزُومَ الْمِلْكِ بَعْدَ التَّمَامِ وَخِيَارَ الْعَيْبِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ وَيُورَثُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏إذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ‏)‏ يَعْنِي عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ رِضًا بِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَيَنْفَسِخَ الْبَيْعُ بِقَوْلِهِ رَدَدْتُ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى رِضَا الْبَائِعِ وَلَا إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا بِرِضًا، أَوْ قَضَاءٍ، ثُمَّ إذَا رَدَّهُ بِرِضَا الْبَائِعِ يَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ رَدَّهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي يَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ‏)‏ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا بِجُمْلَةٍ سَمَّاهَا مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجُ بِبَعْضِهَا إلَّا بِرِضَاهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ‏)‏ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْعَيْبُ مَا نَقَصَ الثَّمَنَ عِنْدَ التُّجَّارِ، وَأَخْرَجَ السِّلْعَةَ عَنْ حَالِ الصِّحَّةِ وَالِاعْتِدَالِ سَوَاءٌ كَانَ يُورِثُ نُقْصَانًا فَاحِشًا مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ نُقْصَانًا يَسِيرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مِمَّا يَعُدُّهُ أَهْلُ تِلْكَ الصِّنَاعَةِ عَيْبًا فِيهِ فَإِذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا كَانَ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، أَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ رَدُّهُ يَسِيرًا كَانَ الْعَيْبُ أَمْ كَثِيرًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْإِبَاقُ عَيْبٌ‏)‏ يَعْنِي إبَاقَ الصَّغِيرِ الَّذِي يَعْقِلُ أَمَّا الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَهُوَ ضَالٌّ لَا آبِقٌ فَلَا يَكُونُ عَيْبًا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ‏:‏ الْإِبَاقُ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ عَيْبٌ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْخُرُوجُ مِنْ الْبَلَدِ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ عَيْبٌ‏)‏ هَذَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِصِغَرِهِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَإِنْ كَانَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ فَهُوَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ يُضْرَبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ الصِّغَارِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ‏:‏ قَدْرُهُ بِخَمْسِ سِنِينَ فَمَا فَوْقَهَا وَمَا دُونَ ابْنِ خَمْسٍ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَيْبًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالسَّرِقَةُ عَيْبٌ فِي الصَّغِيرِ مَا لَمْ يَبْلُغْ‏)‏ يَعْنِي إذَا كَانَ صَغِيرًا يَعْقِلُ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ بِأَنْ لَا يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَلَا يَلْبَسَ وَحْدَهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا سَوَاءٌ كَانَتْ السَّرِقَةُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ أَقَلَّ وَقِيلَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ نَحْوُ الْفَلْسَيْنِ وَنَحْوُهُمَا لَا يَكُونُ عَيْبًا، وَالْعَيْبُ فِي السَّرِقَةِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَوْلَى، أَوْ غَيْرِهِ إلَّا فِي الْمَأْكُولِ فَإِنَّ سَرِقَتَهُ لِأَجْلٍ الْأَكْلِ مِنْ بَيْتِ الْمَوْلَى لَيْسَ بِعَيْبٍ وَمِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ عَيْبٌ، فَإِنْ كَانَتْ سَرِقَتُهُ لِلْبَيْعِ لَا لِلْأَكْلِ فَهُوَ عَيْبٌ مِنْ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا بَلَغَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ‏)‏ مَعْنَاهُ إذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عِنْدَ الْبَائِعِ مِنْ الْعَبْدِ فِي صِغَرِهِ، ثُمَّ حَدَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي صِغَرِهِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ ذَلِكَ الْعَيْبِ، وَإِنْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ فِي الْفِرَاشِ مِنْ الصَّغِيرِ لِضَعْفِ الْمَثَانَةِ وَبَعْدَ الْكِبَرِ لِدَاءٍ فِي الْبَاطِنِ، وَالْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ لِحُبِّ اللَّعِبِ وَفِي الْكِبَرِ لِخُبْثٍ فِي الْقَلْبِ وَالسَّرِقَةَ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ وَهُمَا بَعْدَ

الْبُلُوغِ لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ فَكَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْجَارِيَةُ، وَالْغُلَامُ بَيَانُهُ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُمَا فِي حَالِ الصِّغَرِ عِنْدَ الْبَائِعِ، ثُمَّ وُجِدَ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْكِبَرِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ رَدُّهُمَا، وَإِنْ وُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا؛ لِأَنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ زَالَ بِالْبُلُوغِ وَمَا وُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ عَيْبٌ حَادِثٌ، وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عِنْدَ الْإِدْرَاكِ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ وُجِدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ رَدُّهُمَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَقَوْلُهُ‏:‏ حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ مَعْنَاهُ إذَا بَالَ وَهُوَ بَالِغٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ، ثُمَّ بَاعَهُ وَعَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ وَاحِدٌ، وَالْجُنُونُ فِي الصِّغَرِ عَيْبٌ أَبَدًا فَإِذَا جُنَّ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ، أَوْ الْكِبَرِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ؛ إذْ السَّبَبُ فِي الْحَالَيْنِ مُتَّحِدٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْبَخَرُ وَالدَّفَرُ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْغُلَامِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَارِيَةِ الِافْتِرَاشُ وَهُمَا يُخِلَّانِ بِهَا، وَالْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ فَلَا يُخِلَّانِ بِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ دَاءٍ‏)‏ لِأَنَّ الدَّاءَ عَيْبٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مِنْ قُرْبَانِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ الْبَخَرُ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ سَوَاءٌ كَانَ فَاحِشًا، أَوْ غَيْرَ فَاحِشٍ مِنْ دَاءٍ، أَوْ غَيْرِ دَاءٍ، وَفِي الْغُلَامِ إنْ كَانَ مِنْ دَاءٍ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ دَاءٍ إنْ كَانَ فَاحِشًا فَهُوَ عَيْبٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْفَاحِشُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي النَّاسِ مِثْلُهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالزِّنَا وَوَلَدُ الزِّنَا عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا وَهُوَ الِافْتِرَاشُ وَالِاسْتِيلَادُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْغُلَامِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّنَا عَادَةً لَهُ بِأَنْ زَنَى أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَ النِّسَاءِ مُخِلٌّ بِالْخِدْمَةِ وَلِأَنَّ كَوْنَ الْجَارِيَةِ مِنْ الزِّنَا يُعَيَّرُ بِهِ وَلَدُهُ مِنْهَا، وَالْحَبَلُ عَيْبٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ تُرَادُ لِلْوَطْءِ، أَوْ لِلتَّزْوِيجِ، وَالْحَبَلُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْبَهَائِمُ فَهُوَ زِيَادَةٌ فِيهَا وَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَارْتِفَاعُ الْحَيْضِ فِي الْجَارِيَةِ الْبَالِغَةِ عَيْبٌ وَهِيَ الَّتِي بَلَغَتْ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَلِدُ مَعَهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً فَهُوَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الدَّمِ وَاسْتِمْرَارَهُ عَلَامَةُ الدَّاءِ وَالسُّعَالُ الْقَدِيمُ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ مَرَضٌ بِخِلَافِ الزُّكَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَالْجُنُونُ، وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ عَيْبٌ وَكَذَلِكَ الْعَمَى، وَالْعَوَرُ وَالْحَوَلُ؛ لِأَنَّهَا تَنْقُصُ الثَّمَنَ، وَالصَّمَمُ، وَالْخَرَسُ، وَالْأُصْبُعُ الزَّائِدَةِ وَالنَّاقِصَةُ، وَالْقُرُوحُ، وَالْأَمْرَاضُ عُيُوبٌ، وَالْآدَرُ وَهُوَ انْتِفَاخُ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالْعِنِّينُ، وَالْخَصِيُّ عُيُوبٌ، وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَصِيٌّ فَوَجَدَهُ فَحْلًا فَلَا خِيَارَ لَهُ وَتَرَكَ الصَّلَاةِ وَالنَّمِيمَةُ، وَالْكَذِبُ عَيْبٌ فِي الْعَبِيدِ، وَالْإِمَاءِ وَقِلَّةُ الْأَكْلِ عَيْبٌ فِي الْبَهَائِمِ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي بَنِي آدَمَ وَالتَّخْنِيثُ فِي الْغُلَامِ عَيْبٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدَّ الْمَبِيعَ‏)‏ لِأَنَّ فِي الرَّدِّ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ سَالِمًا وَيَعُودُ مَعِيبًا وَصُورَةُ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَبِيعُ وَلَيْسَ بِهِ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ وَيُقَوَّمَ وَبِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ فَيُنْظَرَ إلَى مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ الْعَيْبِ وَيُنْسَبَ مِنْ الْقِيمَةِ السَّلِيمَةِ فَإِنْ كَانَتْ النِّسْبَةُ الْعُشْرَ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ النِّصْفَ فَبِنِصْفِهِ بَيَانُهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقِيمَته مِائَةُ دِرْهَمٍ وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يَنْقُصُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ آخَرُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ كَانَ يَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ الْعَيْبِ عِشْرِينَ رَجَعَ بِخُمُسِ الثَّمَنِ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْنِ وَقِيمَته مِائَةٌ وَيَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ الْعَيْبِ عَشَرَةً فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ وَلَوْ كَانَ الْعَيْبُ يَنْقُصُهُ عِشْرِينَ رَجَعَ بِخُمُسِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ بِعَيْبِهِ فَلَهُ ذَلِكَ‏)‏ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، وَالْتِزَامِ الضَّرَرِ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي حَبْسَ الْمَبِيعِ وَالرُّجُوعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ إنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَمْسَكَهُ وَلَا يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ قَطَعَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ، أَوْ خَاطَهُ قَمِيصًا، أَوْ صَبَغَهُ، أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ زِيَادَةً يُبْذَلُ عَلَيْهَا الْمَالُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعَهَا، وَإِذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ وَجَبَ الْأَرْشُ وَقَوْلُهُ، أَوْ صَبَغَهُ يَعْنِي أَحْمَرَ فَإِنْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَكَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نُقْصَانٌ، وَإِنْ قَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَتَصَرَّفَ فِيهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْعَيْبِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّةِ الْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ لَوْ لَمْ تَخِطْهُ وَرَدَدْتَهُ نَاقِصًا كُنْتُ أَقْبَلُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ وَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ بَعْدَمَا قَطَعَهُ وَخَاطَهُ قَمِيصًا، أَوْ صَبَغَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِالْأَرْشِ، وَإِنْ قَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَبَاعَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَبْلَ أَنْ يَخِيطَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَقْبِضُهُ نَاقِصًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، أَوْ مَاتَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ‏)‏ وَكَذَا إذَا دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ، وَالْمُرَادُ بِالْعِتْقِ إذَا أَعْتَقَهُ مَجَّانًا أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ، أَوْ كَاتَبَهُ فَأَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَعَتَقَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ بِنُقْصَانِهِ أَمَّا الْمَوْتُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ وَالِامْتِنَاعُ حُكْمِيٌّ لَا بِفِعْلِهِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالْأَرْشِ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ انْتِهَاءٌ لِلْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَوْتِ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ، وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ بِأَرْشِهَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ قَتَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ، أَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَأَكَلَهُ؛ إذْ لَوْ بَاعَهُ، أَوْ وَهَبَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إجْمَاعًا وَتَخْصِيصُ الْمُشْتَرِي بِالْقَتْلِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّ قَتْلَهُ مُوجِبٌ لِلْقِيمَةِ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ مِنْ الْقَاتِلِ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهِ مِنْهُ فَلَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ إجْمَاعًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَبْطُلُ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ‏)‏ قَالَ فِي النِّهَايَةِ‏:‏ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَكْلِ لَا غَيْرُ أَمَّا فِي الْقَتْلِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ فِي الْمَبِيعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ، أَوْ قَتَلَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَكْلَ تَصَرُّفٌ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ الْإِعْتَاقَ فَإِنْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ لَمْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ فِيمَا أَكَلَ وَلَا فِيمَا بَقِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا فَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ مَا أَكَلَ وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الْجَمِيعِ وَلَوْ اشْتَرَى دَقِيقًا فَخَبَزَ بَعْضَهُ فَوَجَدَهُ مُرًّا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَيَرْجِعَ بِنُقْصَانِ مَا خَبَزَهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ‏:‏ وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ فَإِنْ بَاعَ بَعْضَ الطَّعَامِ، ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَرْجِعْ بِأَرْشِ مَا بَاعَ وَلَا بِأَرْشِ مَا بَقِيَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِالْبَيْعِ وَهُوَ فِعْلٌ مَضْمُونٌ

وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَرَوَى هِشَامٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِأَرْشِ مَا بَاعَ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَنْهُ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا نَقَصَهَا الْوَطْءُ، أَوْ ثَيِّبًا لَمْ يَنْقُصْهَا، وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ وَجَبَ النُّقْصَانُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ قَبِلَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ‏)‏ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجُعِلَ الْبَيْعُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ‏)‏ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ إنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا، وَالْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا وَلِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِرِضَاهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ الْعُيُوبَ وَلَمْ يَعُدَّهَا‏)‏ وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ وَالْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا يَعْلَمُ بِهِ الْبَائِعٌ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَمَا وَقَفَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَقِفْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ فَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى اعْوَرَّ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ‏:‏ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَالْبَرَاءَةُ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مِنْ حَقٍّ لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَادِثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ الْبَرَاءَةَ، وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالْمَوْجُودِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ‏:‏ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ‏:‏ إمَّا أَنْ يَقُولَ‏:‏ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ، أَوْ قَالَ‏:‏ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ، فَفِي الْأَوَّلِ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَمَا يَحْدُثُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ لَا يَبْرَأُ مِنْ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يَبْرَأُ مِنْ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ إجْمَاعًا وَلَوْ قَالَ‏:‏ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الدَّاءُ مَا كَانَ فِي الْجَوْفِ مِنْ الطِّحَالِ، أَوْ فَسَادِ حَيْضٍ وَمَا سِوَاهُ يُسَمَّى مَرَضًا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَلَوْ قَالَ‏:‏ مِنْ كُلِّ غَائِلَةٍ فَالْغَائِلَةُ السَّرِقَةُ، وَالْإِبَاقُ، وَالْفُجُورُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

باب الْبَيْعِ الْفَاسِدِ

اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ‏:‏ بَيْعٍ جَائِزٍ وَبَيْعٍ فَاسِدٍ وَبَيْعٍ بَاطِلٍ وَبَيْعٍ مَوْقُوفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ‏.‏

فَالْجَائِزُ يُوقِعُ الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ خَالِيًا عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ، وَالْفَاسِدُ لَا يُوقِعُ الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، وَالْبَاطِلُ لَا يُوقِعُهُ، وَإِنْ قَبَضَ بِالْإِذْنِ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يُوقِعُهُ، وَإِنْ قَبَضَ إلَّا بِإِجَازَةِ مَالِكِهِ، وَإِنَّمَا لُقِّبَ الْبَابُ بِالْفَاسِدِ دُونَ الْبَاطِلِ مَعَ أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِالْبَاطِلِ بِقَوْلِهِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مَوْجُودٌ فِي الْبَاطِلِ، وَالْفَاسِدَ بِخِلَافِ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْأَدْنَى يُوجَدُ فِي الْأَعْلَى لَا الْعَكْسُ؛ إذْ كُلُّ بَاطِلٍ فَاسِدٌ وَلَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ بَاطِلًا، وَالْفَاسِدُ أَدْنَى الْحُرْمَتَيْنِ فَكَانَ مَوْجُودًا فِي الصُّورَتَيْنِ‏.‏

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏(‏إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مُحَرَّمًا، أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ‏)‏ أَيْ بَاطِلٌ ‏(‏كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ، أَوْ بِالدَّمِ، أَوْ بِالْخِنْزِيرِ، أَوْ بِالْخَمْرِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ‏)‏ أَحَدُهُمَا ‏(‏غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ‏)‏ هَذِهِ فُصُولٌ جَمَعَهَا، وَفِيهَا تَفْصِيلٌ فَنَقُولُ الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ وَكَذَا بِالْحُرِّ لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ، وَالْبَيْعُ بِالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ مَالٌ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَعْنِي أَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَوْ وُجِدَ الْقَبْضُ بِالْإِذْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا

فَأَعْتَقَهُ لَا يُعْتَقُ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَكُونُ مَضْمُونًا فَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا وَكَذَا بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَالْخِنْزِيرِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْوَالًا فَلَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ وَكَذَا مَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ وَمَا ذَبَحَ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ مِنْ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ ذَبِيحَتَهُ مَيْتَةٌ، وَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُقَابِلُهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ يَعْنِي أَنَّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَلَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرِ، وَالْمُكَاتَبِ فَاسِدٌ‏)‏ مَعْنَاهُ بَاطِلٌ، وَالْمُرَادُ بِالْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ يَعْنِي إذَا بِيعَ بِرِضَاهُ أَمَّا إذَا بِيعَ بِغَيْرِ رِضَاهُ، ثُمَّ أَجَازَهُ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَجُوزُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا بِيعَ بِرِضَاهُ تَضَمَّنَ رِضَاهُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ سَابِقًا عَلَى الْعَقْدِ فَوُجِدَ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَمَّا إذَا أَجَازَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَتَضَمَّنْ رِضَاهُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ وَكَذَا الَّذِي أُعْتِقَ بَعْضُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ بَاقِيهِ وَكَذَا وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَكَذَا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُدَبَّرٌ وَكَذَا وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَةِ أُمِّهِ فَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ، أَوْ الْمُدَبَّرَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا عَلَى الْأَصَحِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقِيمَة أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنًّا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالِاسْتِسْعَاءَ قَدْ انْتَفَيَا عَنْهَا وَبَقِيَ مِلْكُ الْإِعْتَاقِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَصْطَادَهُ وَلَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ‏)‏ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا بَاعَ سَمَكًا فِي حَوْضٍ إنْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْهُ قَطُّ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ أَخَذَهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ جَازَ الْبَيْعُ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ صَيْدٍ وَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ وَاصْطِيَادٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا إذَا قُدِرَ عَلَى التَّسْلِيمِ وَهَذَا قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ أَمَّا عِنْدَ أَهْلِ بَلْخِي فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ قُدِرَ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَإِنْ أُرْسِلَ مِنْ يَدِهِ فَغَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ وَلَوْ بَاعَ طَائِرًا يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِي قَاضِي خَانْ إنْ كَانَ رَاجِيًا أَنَّهُ يَعُودُ إلَى بَيْتِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا بَيْعُ الْآبِقِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ، أَوْ كَانَ عِنْدَهُ فِي مَنْزِلِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا بِخُصُومَةٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَفِي الْكَرْخِيِّ بَيْعُهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَهُوَ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى حَالِ إبَاقِهِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَإِنْ ظَهَرَ، أَوْ سَلَّمَهُ جَازَ وَأَيُّهُمَا امْتَنَعَ إمَّا الْبَائِعُ عَنْ التَّسْلِيمِ، أَوْ الْمُشْتَرِي عَنْ الْقَبْضِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى بَيْعٍ جَدِيدٍ وَقَالَ أَهْلُ بَلْخِي يُحْتَاجُ إلَى بَيْعٍ جَدِيدٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ وَلَا النِّتَاجِ‏)‏ النِّتَاجُ مَا سَيَحْمِلُهُ الْجَنِينُ، ثُمَّ بَيْعُ الْحَمْلِ لَا يَجُوزُ دُونَ أُمِّهِ وَلَا الْأُمِّ دُونَهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُدْرَى أَمَوْجُودٌ هُوَ، أَوْ مَعْدُومٌ فَلَوْ بَاعَهُ وَوَلَدَتْهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَسَلَّمَهُ لَا يَجُوزُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فَعَسَاهُ انْتِفَاخًا وَرُبَّمَا يَزْدَادُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ‏)‏؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ عَنْهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَيَقَعُ التَّنَازُعُ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْعَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ لَا يَجُوزُ فَلَوْ سَلَّمَ ذَلِكَ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ وَلَوْ اشْتَرَى دَجَاجَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا لُؤْلُؤَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً مَذْبُوحَةً لَمْ تُسْلَخْ وَبَاعَ كِرْشَهَا جَازَ وَيَكُونُ إخْرَاجُهُ عَلَى الْبَائِعِ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ كَذَا فِي الْعُيُونِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ وَجِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِضَرَرٍ فَلَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ الذِّرَاعَ، أَوْ قَلَعَ الْجِذْعَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي يَعُودُ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ، وَالْبِزْرَ فِي الْبِطِّيخِ حَيْثُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا، وَإِنْ شَقَّهُمَا وَأَخْرَجَ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِمَا احْتِمَالًا أَمَّا الْجِذْعُ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ بِخِلَافِ الصُّوفِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالتَّسْلِيمِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُهُ بِالنَّتْفِ، أَوْ بِالْجَزِّ فَبِالنَّتْفِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْحَيَوَانِ وَبِالْجَزِّ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيُحْتَاجُ إلَى نَتْفِهِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْحَيَوَانِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَضَرْبَةِ الْغَائِصِ‏)‏ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَفِيهِ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ أَمْ لَا‏؟‏ وَصُورَتُهُ أَنْ يُبَايِعَهُ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ لَهُ ضَرْبَةً فِي الْمَاءِ بِالشَّبَكَةِ فَمَا خَرَجَ فِيهَا مِنْ الصَّيْدِ فَهُوَ لَهُ بِكَذَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْغَائِصُ صَيَّادُ الْبَحْرِ، وَالْقَانِصُ صَيَّادُ الْبَرِّ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِخَرْصِهِ تَمْرًا‏)‏ الْمُزَابَنَةُ الْمُدَافَعَةُ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ وَسُمِّيَ هَذَا بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَالدِّفَاعِ وَقَوْلُهُ ‏"‏ وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ ‏"‏ بِثَلَاثِ نُقَطٍ مِنْ فَوْقُ، وَقَوْلُهُ ‏"‏ بِخَرْصِهِ تَمْرًا ‏"‏ بِنُقْطَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ لَا يُسَمَّى تَمْرًا بَلْ يُسَمَّى رُطَبًا وَبُسْرًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى تَمْرًا إذَا كَانَ مَجْذُوذًا بَعْدَ الْجَفَافِ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ فَالْمُزَابَنَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِ كَيْلِهَا خَرْصًا وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ فَلَا يَجُوزُ لِشُبْهَةِ الرِّبَا وَالشُّبْهَةُ فِي بَابِ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي التَّحْرِيمِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ، وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ‏)‏ هَذِهِ بُيُوعٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ نَهَى الشَّارِعُ عَنْهَا أَمَّا الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ وَيُسَمَّى بَيْعَ الْحَصَاةِ فَكَانَ الرَّجُلَانِ يَتَسَاوَمَانِ فِي السِّلْعَةِ فَإِذَا وَضَعَ الطَّالِبُ عَلَيْهَا حَجَرًا، أَوْ حَصَاةً تَمَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُهَا، وَأَمَّا بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ فَكَانَا يَتَرَاوَدَانِ عَلَى السِّلْعَةِ فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي كَانَ ذَلِكَ ابْتِيَاعًا لَهَا رَضِيَ مَالِكُهَا، أَوْ لَمْ يَرْضَ، وَأَمَّا الْمُنَابَذَةُ فَكَانَا يَتَرَاوَدَانِ عَلَى السِّلْعَةِ فَإِنْ أَحَبَّ مَالِكُهَا أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَيْعَ نَبَذَ السِّلْعَةَ إلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ رَضِيَ، أَوْ لَمْ يَرْضَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ‏)‏ وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ وَكَذَا بَيْعُ عَبْدٍ مِنْ عَبْدَيْنِ، أَوْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ وَكَذَا فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْخِفَافِ وَالنِّعَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ يُدَبِّرَهُ، أَوْ يُكَاتِبَهُ، أَوْ أَمَةً عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ‏)‏ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، ثُمَّ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ‏:‏ فِي وَجْهٍ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ كِلَاهُمَا جَائِزَانِ، وَفِي وَجْهٍ كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ، وَفِي وَجْهٍ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى بَيَانِ صِفَةِ الثَّمَنِ، أَوْ الْمَبِيعِ فَصِفَةُ الثَّمَنِ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهَا نَقْدُ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مُؤَجَّلَةٌ، وَأَمَّا صِفَةُ الْمَبِيعِ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا طَبَّاخَةٌ، أَوْ خَبَّازَةٌ، أَوْ بِكْرٌ، أَوْ ثَيِّبٌ، أَوْ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ وَلَيْسَ لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا بِشَرْطِ الْخِيَاطَةِ، أَوْ حِنْطَةً بِشَرْطِ الْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ، أَوْ ثَمَرَةً بِشَرْطِ الْجَذَاذِ عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ رَطْبَةً بِشَرْطِ الْجَذَاذِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُشْتَرِي‏.‏

وَكَذَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ شَهْرًا أَوْ أَرْضًا بِشَرْطِ أَنْ يَزْرَعَهَا الْبَائِعُ سَنَةً، أَوْ دَابَّةً بِشَرْطِ أَنْ يَرْكَبَهَا، أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَلْبَسَهُ شَهْرًا، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الشَّرْطِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ نَحْوُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، أَوْ التَّدْبِيرِ، أَوْ جَارِيَةً بِشَرْطِ

الِاسْتِيلَادِ‏.‏

وَقَالَ الْكَرْخِيُّ‏:‏ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فَإِذَا قَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ التَّدْبِيرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ عَلَى الْفَسَادِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ بِالْعِتْقِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا عَلَى أَنْ لَا يَأْكُلَهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ الدَّابَّةَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَوْ شَرَطَ الْمَضَرَّةَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخْرِقَهُ، أَوْ جَارِيَةً عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا، أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَهْدِمَهَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْبَيْعُ فَاسِدٌ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ‏:‏ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، أَوْ لَا يَطَأَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِيهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ جَائِزٌ فِيهِمَا وَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ‏:‏ إذَا بَاعَهَا بِشَرْطِ الْوَطْءِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا فَاسِدٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ الْبَائِعُ شَهْرًا، أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا شَهْرًا، أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ، أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةً‏)‏ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ تَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ وَلَوْ كَانَ لَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ يَكُونُ إعَارَةً فِي بَيْعٍ وَقَدْ ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَنَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ‏}‏، أَمَّا بَيْعٌ وَشَرْطٌ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ بِشَرْطٍ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ إلَى سَنَةٍ، أَوْ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إلَى سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْعَقْدُ عَلَى أَحَدِهِمَا، أَوْ يَقُولَ‏:‏ عَلَى إنْ أَعْطَيْتَنِي الثَّمَنَ حَالًّا فَبِأَلْفٍ، وَإِنْ أَخَّرْتَهُ إلَى شَهْرٍ فَبِأَلْفَيْنِ، أَوْ أَبِيعُكَ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ، أَوْ بِقَفِيزَيْ شَعِيرٍ فَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا يَدْرِي الْبَائِعُ أَيَّ الثَّمَنَيْنِ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَأَمَّا صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ أَنْ يَقُولَ‏:‏ أَبِيعُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذَا الْفَرَسَ بِأَلْفٍ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا بِشَرْطِ الْخِيَاطَةِ، أَوْ حِنْطَةً بِشَرْطِ الْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ فَقَدْ جَعَلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بَدَلًا لِلْعَيْنِ وَالْعَمَلِ فَمَا حَاذَى الْعَيْنَ يَكُونُ بَيْعًا وَمَا حَاذَى الْعَمَلَ يَكُونُ إجَارَةً فَقَدْ جَمَعَ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ، وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ بِشَرْطِ الْقَبْضِ، أَوْ الْهِبَةِ، وَأَمَّا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا

فَيُوهَبَ لَهُ هِبَةٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ اكْتَسَبَ كَسْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ مِنْ خِلَافِهِ، فَقَبَضَ الْعَبْدَ مَعَ هَذِهِ الزَّوَائِدِ لَا يَطِيبُ لَهُ الزَّوَائِدُ؛ لِأَنَّهُ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضْ يَعْنِي فِي الْمَنْقُولَاتِ، وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّلَمِ فَإِنَّهُ رُخِّصَ فِيهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ لَا يُسَلِّمَهَا إلَى شَهْرٍ، أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْبَائِعِ فِي تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ، وَفِيهِ شَرْطُ نَفْيِ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ‏)‏ الِاسْتِثْنَاءُ لِمَا فِي الْبُطُونِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاتِبَ‏:‏ فِي وَجْهٍ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَاسِدٌ، وَفِي وَجْهٍ الْعَقْدُ جَائِزٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَاسِدٌ وَفِي وَجْهٍ كِلَاهُمَا جَائِزَانِ أَمَّا الَّذِي كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ، وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَاسْتِثْنَاءُ مَا فِي الْبَطْنِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ فَاسِدٍ، وَأَمَّا الَّذِي يَجُوزُ الْعَقْدُ فِيهِ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالنِّكَاحُ، وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ الْأُمُّ، وَالْوَلَدُ جَمِيعًا وَكَذَا الْمُعْتِقُ إذَا أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا صَحَّ الْعِتْقُ وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ يَعْنِي أَنَّهَا تُعْتَقُ هِيَ وَحَمْلُهَا، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي كِلَاهُمَا جَائِزَانِ فَالْوَصِيَّةُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لِلْمُوصَى لَهُ وَمَا فِي بَطْنِهَا لِلْوَرَثَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَمِيصًا، أَوْ قَبَاءً، أَوْ نَعْلًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا، أَوْ يُشْرِكَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ‏)‏ مَعْنَى يَحْذُوهَا يَقْطَعُهَا مِنْ الْجِلْدِ وَيَعْمَلُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ، وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُتَبَايِعَانِ ذَلِكَ فَاسِدٌ‏)‏ النَّيْرُوزُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الصَّيْفِ وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ تَحِلُّ الشَّمْسُ فِيهِ الْحَمَلَ، وَالْمِهْرَجَانُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الشِّتَاءِ وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ تَحِلُّ فِيهِ الشَّمْسُ الْمِيزَانَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ خَصَّ الصَّوْمَ بِالنَّصَارَى، وَالْفِطْرَ بِالْيَهُودِ قِيلَ؛ لِأَنَّ صَوْمَ النَّصَارَى غَيْرُ مَعْلُومٍ وَفِطْرَهُمْ مَعْلُومٌ، وَالْيَهُودُ بِعَكْسِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْقِطَافِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ‏)‏؛ لِأَنَّ هَذِهِ آجَالٌ تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ فَتَصِيرُ مَجْهُولَةً وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُحْتَمَلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهَا بِإِزَالَةِ جَهَالَتِهَا، ثُمَّ الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ هِيَ مَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهَا فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ فِي وُجُودِهَا كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ كَانَتْ فَاحِشَةً وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ بِأَنْ يَكْفُلَ بِمَا ذَابَ عَلَى فُلَانٍ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَفِي الْوَصْفِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ فَكَذَا فِي وَصْفِهِ، وَإِنْ بَاعَ مُطْلَقًا، ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَأْجِيلُ الدَّيْنِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِيهِ مُحْتَمَلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَلَا كَذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَالْقِطَافِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ‏)‏‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَنَا أَنَّ الْفَسَادَ لِلْمُنَازَعَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِي شَرْطٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَيُمْكِنُ إسْقَاطُهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ - وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ مَالٌ - مَلَكَ الْمَبِيعَ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ‏)‏ يَعْنِي إذَا كَانَ الْعِوَضُ مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ‏:‏ إذَا قَالَ أَبِيعُك بِمَا تَرْعَى إبِلِي فِي أَرْضِك، أَوْ بِمَا تَشْرَبُ مِنْ مَاءِ بِئْرِك أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى فِي مُقَابَلَتِهِ مَالًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الْحَشِيشَ، أَوْ اسْتَقَى الْمَاءَ فِي إنَاءٍ جَازَ بَيْعُهُ فَاشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى عِوَضَيْنِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ وَسَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي الْعِوَضَ فَإِذَا سَكَتَ عَنْهُ ثَبَتَتْ الْقِيمَةُ وَهِيَ مَالٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ‏:‏ أَبِيعُك بِغَيْرِ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ الْعِوَضِ، وَالْبَيْعُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَقَوْلُهُ‏:‏ مَلَكَ الْمَبِيعَ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ لَكِنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي‏:‏ يَمْلِكُ الْعَيْنَ، وَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْتَقَهُ ثَبَتَ الْوَلَاءُ مِنْهُ دُونَ الْبَائِعِ وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي فَالثَّمَنُ لَهُ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِبَائِعِهِ، وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرَى دَارًا فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْبَائِعُ لَمْ يُعْتَقْ، وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ مَلَكَ الْعَيْنَ‏.‏

وَوَجْهُ قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ طَعَامًا مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا وَلَوْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ وَلَوْ كَانَتْ دَارًا لَا تَجِبُ فِيهَا شُفْعَةُ الشَّفِيعِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَلَا حُجَّةَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ فِيمَا ذَكَرُوهُ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ،

وَالْحُرْمَةَ لَيْسَا مِنْ الْمِلْكِ فِي شَيْءٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ مَمْلُوكٌ لِمَنْ اسْتَفَادَهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ مَلَك جَارِيَةً وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، أَوْ بَيْنَهُمَا مُصَاهَرَةٌ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهَا وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَجِبُ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ لَا بِثُبُوتِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِبَيْعِ دَارِهِ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاحِدًا وَمِنْ فَوَائِدِ قَوْلِهِ مَلَكَ الْمَبِيعَ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ قُطِعَ وَقَوْلُهُ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ يَعْنِي يَوْمَ الْقَبْضِ وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ بِالْقَبْضِ فَشَابَهَ الْغَصْبَ، وَالْقَوْلُ بِالْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَقَوْلُهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ أَمَّا إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِذْنِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ‏)‏ هَذَا إذَا لَمْ يَزْدَدْ الْمَبِيعُ أَمَّا إذَا ازْدَادَ وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً غَيْرَ حَادِثَةٍ مِنْهُ انْقَطَعَ حَقُّ الْفَسْخِ - مِثْلُ الصَّبْغِ، وَالْخِيَاطَةِ وَلَتِّ السَّوِيقِ بِالسَّمْنِ -، أَوْ جَارِيَةً عَلِقَتْ مِنْهُ، أَوْ قُطْنًا فَغَزَلَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْفَسْخِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ كَالْوَلَدِ، وَالْعُقْرِ وَالْأَرْشِ وَلَوْ هَلَكَتْ هَذِهِ الزَّوَائِدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَ فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ وَالزَّوَائِدُ قَائِمَةٌ

فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الزَّوَائِدَ وَيَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْمَبِيعِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ حَادِثَةٍ مِنْهُ كَالْكَسْبِ، وَالْهِبَةِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مَعَ الزِّيَادَةِ وَلَا يَطِيبُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا لَمْ يَضْمَنْهَا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُهَا، وَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ وَالزَّوَائِدُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمَبِيعِ، وَالزَّوَائِدُ لَهُ لِتَقَرُّرِ ضَمَانِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا إذَا انْتَقَصَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ مِنْ أَرْشِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ صَارَ مُسْتَرِدًّا وَبَطَلَ عَنْ الْمُشْتَرِي الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَبْسٌ عَنْ الْبَائِعِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ بَيْعُهُ‏)‏ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَسَقَطَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي وَنُقِضَ الْأَوَّلُ بِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ أَجَرَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ الْإِجَارَةُ غَيْرَ أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يُبْطِلَهَا وَيَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَفَسَادُ الْبَيْعِ صَارَ عُذْرًا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ وَالنِّكَاحُ عَلَى حَالِهِ لَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ فَلَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ كَالْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا لَا يُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ فَبَقِيَ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَقَدَهُ وَهُوَ عَلَى

مِلْكِهِ وَلَوْ أَوْصَى بِالْعَبْدِ وَمَاتَ سَقَطَ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَلَوْ وُرِثَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُ الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ وَكَذَا يُفْسَخُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْفَسَادِ وَلَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ، أَوْ الثَّوْبَ سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَتَعَذَّرَ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ فَإِنْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ، أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ فِي الْهِبَةِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ، وَكَذَا إذَا قَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي لِأَجْلِ الْعَيْبِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا، أَوْ قَبَضَهَا وَبَاعَهَا وَرَبِحَ فِيهَا تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ فَإِنْ اشْتَرَى بِثَمَنِهَا شَيْئًا آخَرَ فَرَبِحَ فِيهِ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ مَالًا وَقَضَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُدَّعِي فِي الدَّرَاهِمِ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، أَوْ بَيْنَ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِمَا جَمِيعًا‏)‏ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ، أَوْ لَمْ يُسَمِّ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَضَمَّنَتْ صَحِيحًا وَفَاسِدًا، وَالْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا جَازَ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ وَبَطَلَ فِي الْحُرِّ، وَالْمَيِّتَةِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ، أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ صَحَّ فِي الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ‏)‏ وَبَطَلَ فِي الْآخَرِ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ يَفْسُدُ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ لَا يَجُوزُ فَصَارَ كَالْحُرِّ وَلَنَا أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَتَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِهِ، وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ مِثْلُ الْمُدَبَّرِ إذَا ضُمَّ إلَى الْعَبْدِ الْقِنِّ، وَإِذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، أَوْ اُسْتُحِقَّ، أَوْ وُجِدَ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏‏{‏وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّجْشِ وَعَنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ‏}‏‏)‏ النَّجْشُ بِفَتْحَتَيْنِ وَيُرْوَى بِالسُّكُونِ أَيْضًا وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَلَا رَغْبَةَ لَهُ فِيهِ وَلَكِنَّهُ يَحْمِلُ الرَّاغِبَ عَلَى أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَهَذَا النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَلَبَهُ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، أَوْ أَكْثَرَ أَمَّا إذَا طَلَبَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ قِيمَةَ الْمَبِيعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِيهِ، وَأَمَّا السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ فَهُوَ أَنْ يَتَسَاوَمَ الرَّجُلَانِ فِي السِّلْعَةِ وَيَطْمَئِنَّ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا سَمَّى مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَقْدُ فَعَارَضَهُ شَخْصٌ آخَرُ فَاشْتَرَاهُ أَمَّا إذَا كَانَ قَلْبُ الْبَائِعِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ بِمَا سَمَّى مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَجْنَحْ إلَيْهِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي‏)‏ وَصُورَةُ تَلَقِّي الْجَلَبِ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ؛ إذْ سَمِعَ بِمَجِيءِ قَافِلَةٍ مَعَهُمْ طَعَامٌ وَأَهْلُ الْمِصْرِ فِي قَحْطٍ وَغَلَاءٍ فَيَخْرُجُ يَتَلَقَّاهُمْ وَيَشْتَرِي مِنْهُمْ جَمِيعَ طَعَامِهِمْ وَيَدْخُلُ بِهِ الْمِصْرَ وَيَبِيعُهُ عَلَى مَا يُرِيدُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ تَرَكَهُمْ حَتَّى دَخَلُوا بَاعُوا عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ مُتَفَرِّقًا تَوَسَّعَ أَهْلُ الْمِصْرِ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ الْمِصْرِ لَا يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ صُورَتُهُ أَنْ يَتَلَقَّاهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَيَشْتَرِيَ مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْمِصْرِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِسِعْرِ أَهْلِ الْمِصْرِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ فِي الْحُكْمِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُمْ سَوَاءٌ تَضَرَّرَ بِهِ أَهْلُ الْمِصْرِ، أَوْ لَا، وَأَمَّا بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي فَهُوَ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْجَالِبُ بِالطَّعَامِ لَقِيَهُ الْحَاضِرُ

وَقَالَ لَهُ‏:‏ سَلِّمْ إلَيَّ طَعَامَك لَا تَوَثُّقَ لَك فِي بَيْعِهِ فَيَتَوَفَّرُ عَلَيْك ثَمَنُهُ وَقِيلَ مَعْنَى بَيْعِ الْحَاضِرِ مِنْ الْبَادِي وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ إذَا كَانَ لَهُ طَعَامٌ، أَوْ عَلَفٌ، أَوْ أَهْلُ الْمِصْرِ فِي قَحْطٍ وَهُوَ لَا يَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَكِنَّهُ يَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ فَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ الْمِصْرِ فِي سَعَةٍ وَلَا يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَعَنْ الْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ‏)‏ يَعْنِي الْأَذَانَ الْأَوَّلَ بَعْدَ الزَّوَالِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكُلُّ ذَلِكَ يُكْرَهُ‏)‏ أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ قَوْلِهِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّجْشِ إلَى هُنَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ‏)‏ حَتَّى إنَّهُ يَجِبُ الثَّمَنُ دُونَ الْقِيمَةِ وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ صَغِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا، وَالْآخَرُ صَغِيرًا‏)‏ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ ‏"‏ مَلَكَ ‏"‏ لِيَتَنَاوَلَ وُجُوهَ الْمِلْكِ مِنْ الْهِبَةِ وَالشِّرَاءِ، وَالْإِرْثِ، وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرَ يَتَعَاهَدُهُ فَكَانَ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ، وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ، وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ، ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ وَلَا قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَانِ حَتَّى جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّ مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّفْرِيقِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا يُكْرَهُ فِي الْقِسْمَةِ فِي الْمِيرَاثِ، وَالْغَنَائِمِ وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ صَغِيرٌ وَكَبِيرَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّغِيرِ إنْ كَانَتْ قَرَابَةُ أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ إلَى الصَّغِيرِ مِنْ الْآخَرِ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَبًا، وَالْآخَرُ جَدًّا، أَوْ أَحَدُهُمَا أُمًّا، وَالْآخَرُ جَدَّةً، أَوْ أَحَدُهُمَا أَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَالْآخَرُ أَخًا لِأَبٍ، أَوْ لِأُمٍّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْأَبْعَدَ مِنْهُمَا، أَوْ يَبِيعَ الصَّغِيرَ مَعَ الْأَقْرَبِ‏.‏

وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قَرَابَتُهُمَا إلَى الصَّغِيرِ سَوَاءٌ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا أَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ كِلَاهُمَا أَخَوَيْنِ لِأَبٍ، أَوْ كِلَاهُمَا أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، أَوْ عَمَّيْنِ، أَوْ خَالَيْنِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبِيعَ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَوَاءٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ الْكَبِيرَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ قَرَابَةُ الْكَبِيرَيْنِ إلَى الصَّغِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَرَابَتُهُمَا إلَيْهِ سَوَاءً نَحْوُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ وَأُمٌّ، أَوْ أَخٌ لِأُمٍّ، أَوْ خَالٌ

وَعَمٌّ فَاَلَّذِي يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ قَامَ مَقَامَ الْأُمِّ وَاَلَّذِي يُدْلِي بِالْأَبِ كَالْأَبِ، وَإِذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ وَأُمٌّ وَاجْتَمَعُوا فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَكَذَا هُنَا وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ عَمَّةٌ وَخَالَةٌ، أَوْ أُمُّ أَبٍ وَأُمُّ أُمٍّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَ الْبَيْعُ‏)‏ وَيَأْثَمُ ‏(‏فَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا‏)‏‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ الْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي الْوَالِدَيْنِ وَجَائِزٌ فِي الْأَخَوَيْنِ، ثُمَّ التَّفْرِيقُ إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِيهِمَا فَلَا بَأْسَ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَجْنِيَ أَحَدُهُمَا جِنَايَةً فِي بَنِي آدَمَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الْجَانِيَ مِنْهُمَا وَيُمْسِكَ الْآخَرَ، وَإِنْ حَصَلَ فِيهِ التَّفْرِيقُ وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَالًا لِإِنْسَانٍ فَإِنَّهُ يُبَاحُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى التَّفْرِيقِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهُمَا فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّهُمَا جَمِيعًا، أَوْ يُمْسِكُهُمَا جَمِيعًا وَلَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكَاتِبَ أَحَدَهُمَا، أَوْ يُعْتِقَهُ عَلَى مَالٍ، أَوْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيقَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ، أَوْ الْمُعْتَقَ يَصِيرُ أَحَقَّ بِنَفْسِهِ فَيَدُورُ حَيْثُ مَا دَارَ صَاحِبُهُ‏.‏